منذ صيف 2015 دخلت عدن والمحافظات المجاورة نفقاً مظلماً لم تخرج منه حتى اليوم، أطلق التحالف والإمارات على وجه التحديد منذ ذلك التاريخ فرقاً محلية وأخرى قادمة من خارج الحدود للقيام بعمليات قتل ممنهجة لطيف واسع من المجتمع لا تزال تحصد المزيد من الأنفس البريئة وتحيل عدن وما جاورها إلى ساحة منفلتة للقتل دافعها الأساس هو الانتقام السياس والأيديولوجي والتجريف المقصود لكل إرادة متصلة باليمن حراً موحداً ومستقلاً وديمقراطياً .
خلال اليومين الماضيين، حصد القتلة روحين أحدها للشاب عبد الملك السنباني الذي عاد من الولايات المتحدة بعد غربة دامت سبعة أعوام، والثانية تعود إلى التربوي والمربي والإنسان سالم علي سالم مدير مدارس إقرأ بعدن .
مقتل هذين الرجلين يجسد المعني الحقيقي للجريمة المنفلتة والجريمة السياسية، وهي نتاج طبيعي للتحول الذي حصل في عدن ومحيطها، حيث مثلت هذه المنطقة على وجه التحديد أمل اليمنيين في تغيير حياتهم إلى الأفضل، حيث تطلع الجميع إلى إنشاء واحدة من أكثر المناطق الاقتصادية والتجارية ازدهاراً في اليمن، تأسيساً على مجتمع متمدن وبيئة حضارية ناضجة ونقطة انصهار ديمغرافية مثالية لكل مكونات المجتمع اليمني الجهوية والفئوية .
أحدث مقتل الشاب عبد الملك السنباني صدمة كبيرة لدى مختلف الأطياف، فقد قتل بدم بارد وعلى رؤوس الأشهاد، ووسط ادعاءات غير مسنودة بأي دليل بارتباطه بجماعة الحوثي، من قبل جنود نقطة عسكرية تابعة للواء التاسع صاعقة قطاع مديرية طور الباحة في محافظة لحج، وهو لواء يتبع المجلس الانتقالي ولا يعمل تحت مظلة الجمهورية اليمنية، وذلك عقب احتجازه من قبل هؤلاء الجنود، الذين قاموا بتقييده وتعذيبه وقتله، مخلفين على جسده علامات تعذيب واثار ثلاث طلقات في ظهره ورابعة في رجله، بحسب أسرة السنباني .
هذه الحادثة حظيت بتعليق لافت من قبل وزير الأوقاف في حكومة الكفاءات الأستاذ محمد عيضة شبيبة، حينما قال: "كرهنا الحوثي لجرمه، لخسته، لتساهله في سفك الدم وهتك العرض، وهجرنا الغالي، وفارقنا الثمين، وودعنا الدار والاستقرار من أجل ألا نضطر لمجاملته، فكيف نسكت على ظلم يشبه ظلمه، وإجرام يعتبر نسخه من جرائمه ".
لم تقتصر التعليقات المنددة بالجريمة على المنصفين بل شملت أيضاً بعض الكتاب والمعلقين المحسوبين على المجلس الانتقالي الذي طالبوا بتحقيق بشأن هذه الجريمة .
الجريمة السياسية هي بالتحديد تنطبق على مقتل مدير مدارس إقرأ في مدينة إنماء، الأستاذ سالم علي سالم الذي قتل لأنه محسوب على تيار سياسي بعينه، هو التجمع اليمني للإصلاح، وهذا يعني أن العشرات من الكوادر المنتمية لهذا التيار هي اليوم على قائمة الاغتيال التي تنفذها جماعات القتل المرتبطة بالانتقالي والإمارات في عدن، ويمكن أن يضافوا إلى العشرات الآخرين الذين حصدتهم رصاص الغدر والغيلة، على مدى سبع سنوات مضت .
هذه الجرائم تقدم برهاناً قوياً على أن المجلس الانتقالي يؤكد حضوره كمشروع سياسي مأجور وملطخ بالدماء، وبأفق محدود للغاية يخلو من أي حسابات استراتيجية لا يمكن حتى للمشاريع القروية أن تفتقدها .
على أن أخطر ما تشير إليه حادثة اغتيال الأستاذ سالم هي أنها تعيد الجريمة إلى ذروة زخمها متصلة بترتيبات عسكرية أخرجت الإماراتيين من معسكرات كانت تتخفى فيها مبقية على أمل في التأثير على المشهد الجنوبي، على الرغم من الإعلان الصريح لهذه الدولة بأنها انسحبت من العملية العسكرية في اليمن .
التصعيد بات وقحاً للغاية في بلحاف والعلم وفي حضرموت، وتكاد الإمارات بذخيرتها من المقاتلين المأجورين والأسلحة لخوص معركة الختام الخاسرة ضد الشعب اليمني وخياراته في استعادة دولته والحفاظ على وحدة البلاد وسلامة ترابها الوطني .
لكن ماذا بقي للمشروع الانفصالي من حجة أو قرينة أخلاقية بيده وقد تحول النطاق الجغرافي الذي استثمر التحالف كل إمكانياته وقبحه ونذالته ليبقى في يد هذه الجماعة الانفصالية المناطقية المسلحة؟ .
لا أسوأ من أن تتحول أكثر مدن اليمن أمناً واستقراراً إلى مدينة محفوفة بالقتل والغدر والخيانة، وممراً غير آمن للأبرياء من أبناء اليمن، حيث المجال مفتوح للاعتقالات وأعمال التعذيب، والقتل ووفقاً ما تمليه الأجندة الإماراتية والطموح المنفلت لهذه العصابات المسلحة .