لم يكن في بيان الدكتور احمد عبيد بن دغر والأستاذ عبدالعزيز جباري أسوأ من الدعوة الى الوقف الفوري لإطلاق النار والتي جاءت مجردة من رؤية واضحة للكيفية التي يتعين ان ينتهي بموجبها وقف إطلاق النار، والمآلات المباشرة لتطور مهم كهذا ينتظره كل اليمنيين بفارغ الصبر لكنهم ليسوا مستعدين لمنح الحوثيين وهم جماعة طائفية موتورة مقاليد السلطة برسم الانتصار وبمرارة التسليم والهزيمة .
كما ليسوا في وارد التسليم للجماعة العميلة في عدن بدعوى الانفصال الممولة من ذوي المطامع الإقليمية السيئة في الجغرافيا اليمنية .
عدا ذلك فان موقف الرجلين هو تعبير عن حراك يجري على مستوى النخب السياسية وعلى وقع توقعات واسعة من الغالبية العظمى من الشعب اليمني بإمكانية الخروج من هذا المأزق بإرادة وطنية قوية ومخلصة تغطي على العوار الفاضح في أداء القيادة الشرعية الحالية وتعوض غيابها المخزي عن المشهد اليمني المضطرب والخطير .
الاعتراض على نقاط جوهرية وردت في بيان بن دغر وجباري لا ينبغي أن يتحول إلى "تسقيط " مكثف وانتهازي هدفه النهائي الاغتيال السياسي لرجلين عرفا بمواقفهما الوطنية الشجاعة في منعطفات شديدة الصعوبة من مسيرة الوطن المثخن بجراح الحرب، والذي يتعرض لا خطر مؤامرة في تاريخه تستهدف وجود الدولة والجغرافيا والهوية من أطراف سيئة بعضها محكوم بدوافع طائفية حاقدة وبعضها محكوم بسوء نواياه وتقديراته الخاطئة حيال العلاقة مع يمن موحد متعافي وقوي .
جاء التوضيح الصادر عن الدكتور بن دغر قويا ومعززا لقناعات الكثير منا حيال نزاهة مواقفه الوطنية، واللافت فبي بيانه التوضيحي انه كان قويا ومتماسكا وعكس نضج الموقف السياسي للرجل وهو الامر الذي خلا منه للأسف البيان الثنائي الذي انزلق الى مستويات خطيرة من التماهي مع مشاريع السلق الإقليمي للحلول المقترحة للأزمة والحرب في اليمن .
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: كيف تحول موقف بن دغر وجباري الى مناسبة لهجوم عنيف بهذا القدر، اللافت فيه أيضاً جاء ضمن حالة استثنائية من الاصطفاف الذي جمع اضداداً لا يقفون على ارضية مشتركة، لكنهم أجمعوا على عدم صوابية بيان بن دغر وجباري .
وبالطبع هناك تباين واضح في دوافع الإدانة، ففي حين شعر أنصار المشروع الوطني ان رجال هذا المشروع يساقون بعلمهم او دون علمهم الى تبني مواقف داعمة للمشاريع اللاوطنية وتمكينها من الخروج منتصرة في هذه الحرب، نجد السعودية وإعلامها وجوقتها ينطلقون من اعتبارات متعلقة بالرفض المبدئي لأي تحرك خارج الدائرة السعودية لتقرير مصير الأزمة والحرب في بلدنا .
وهذا يعني ان السعودية ليست في وارد الاستمرار في الحرب حتى تتحقق اهدافها المشرعة المتمثلة في دحر التمرد، فهي التي تجاوزت الشرعية وصادرت قرارها وذهبت الى حد عرض وقف فوري لإطلاق النار، حتى تدفع عن نفسها الضغوط الأمريكية بعد وصول بايدن الى السلطة .
اتفق تماما مع قناعات الدكتور بن دغر بان السلطة الشرعية تتآكل وانها ستسقط حتما اذا سقط الشعب في وحل التقسيم والتشظي وهو خيار يدفع اليه التحالف بكل إمكانياته .
وعليه فإنه ليس من الحكمة حرق رجال المشروع الوطني أو تحييدهم، فهذا هو ما يريده المتربصون باليمن ودولته ووحدته، انهم يريدون اسكات الأصوات الشجاعة، وهم مطمئنون بأنهم قد لغموا البيئة السياسية بالمئات من المتطوعين باذخي الأناقة، لإفساد كل تحرك سياسي وطني مخلص وتعريته والوشاية به، وهذه لعمري كارثة الكوارث وثالثة الأثافي .