في البدء لا بد من إثبات حقيقة مؤلمة على مستوى الأحداث الوطنية، تلك الحقيقة أن المشروع الإمامي تسلل من شقوق كثيرة داخل جسم الجمهورية، من أهمها غياب الفهم التاريخي لكارثة الإمامة وغياب القراءة الواعية لصراع اليمنيين الممتد مع هذا المشروع على مدى أكثر من 1200 عام .
الفكر الإمامي بطبيعته الإجرامية وملامحه العنصرية، وخرافاته المرتبطة بدعاوى الافضلية، فكر غير قابل للحياة إلا في بيئة الصراع، وهو بذلك متصادم مع المجتمع وثقافته، ومحارب لأي فكر مقاوم، عرف في كل تاريخه، ضداً للتعليم والمتعلمين، ومناوئ للإبداع، ويرى في أي حركة علمية أو إبداعية تهديداً لوجوده، مادامت ستفتح العقول والقلوب لفهم حقيقته، أو إدراك خطره على الثقافة والمجتمع .
الفكر والمشروع الإمامي لا يملك، تكوينيا، القدرة على إدارة دولة، وتحقيق رؤية للحكم، تتعايش وتنجز، وتحقق حاجة الشعب في وضع مستقر، وهو بذلك لم يقدم أي نموذج للإنجاز أو التأثير الإيجابي في حياة الناس وواقعهم، فكلما وجد المجتمع مستقرا متوجها للإنتاج والإبداع، شن الصراعات، وبرر الحرب، وأفتى بأفضلية القتال على ما دونه من نشاط انساني مثمر، فجعل الرزق تحت أسنة الرماح وظلال السيوف، وهو بذلك جنى على اليمني المعروف بقدرته على إنعاش الحياة، والاهتمام بالصناعة والتجارة وتحصيل العلوم .
والقارئ للتاريخ، والمتأمل فيه يدرك حقيقة غير قابلة للتشكيك، مختصرها أن الإمامة في اليمن لم تترك أثراً تاريخياً أو معلماً مهما، او انجازا علميا على مدى ألف عام، وارثها الوحيد، المجازر والغزوات الهمجية التي وثقتها كتبها، وتغنت بها، قبل توثيق خصومها .
انعكس ذلك حقدا اماميا على الحضارة اليمنية وآثارها، وعداوة دائمة لما حققه اليمنيون خلال آلاف السنين، وعبر عنه زعيمهم الصريع، بتحريضه على آثار اليمن، واعتبار اعتزاز اليمنيين بحضارتهم، وثنية وكفرا .
لقد مثل الصراع اليمني مع المشروع الإمامي، صراعاً مستمراً بين دولة الفكرة التي مثلها فكر الغازي الرسي، وبين فكرة الدولة التي ناضل من أجلها اليمنيون، فحققت الدول الوطنية اليمنية، أمثلة ناصعة على قدرة اليمني في إقامة حكم يلبي أهداف الدولة ووظيفتها، ويحقق للشعب آماله في بيئة طبيعية ومستقرة، تتجه للبناء والرفاه والابداع، في المقابل تميزت الدويلات الامامية السلالية، بالصراع المستمر، والهمجية، والتحريش بين القبائل، وصرف الناس الى الاقتتال، في محاولة جادة على صرف المجتمع عن مواجهتها .
لقد مثل الفكر الاستعلائي، أكبر محرك للمشروع الإمامي السلالي، وأهم أداوته، وألغى حق شعب كامل في قدرته على حكم نفسه، فاليمني في هذا الفكر أقل شأنا، وأدنى من ان يأتي بشخصية حاكمة، يعامله الأئمة على انه فاقد الأهلية، ويحتاج لغاز طارئ ليدير له دولته، ويختار له طريقة حياته، تحت مفردات العبودية والدونية، وتقديم فروض الولاء والطاعة الموشحة بالأجر والثواب، والعبودية المطلقة لنطفة مزعومة، اغضابها اغضاب للرب، ومخالفتها خروج عن الدين .
تلك العنصرية، والتي هي دين السلالة وجوهرها، والمبدأ الذي يحرك سلوك الإمامة، يفسر بوضوح تلك الهجمة المستمرة، والتجريف الممنهج للهوية الوطنية اليمنية، وسعي الإمامة لتقسيم المجتمع، وإهلاكه في الحروب والصراعات، ومحاربتها للعلم والابداع، وعدم قدرتها على بناء دولة للجميع، وحرصها المستمر على التجهيل والإفقار، وهي أساليب تمارسها الحوثية اليوم، كامتداد طبيعي لممارسات امامية، اتخذت نفس الاشكال، وقدمت ذات النتائج، فكل سلوك حوثي، هو نسخة طبق الأصل عن ممارسات الائمة، وكانت سببا في آلاف الانتفاضات ضدها، وجعلها في مرمى سهام اليمنيين وثوراتهم .
وتبرز هنا حقيقة أخرى، أن المشروع الإمامي وإن استمر على مدى أكثر من ألف ومائتي عام لم يستطع أن يحكم كل اليمن، ولم يدم حكمه في فترات متفرقة أكثر من مائة وخمسين عاما، لكنه استخدم نفس الشقوق التي استخدمها الاماميون الجدد للعودة للمشهد .
التجريف الإمامي كان ومازال السمة الأبرز لمعاداة السلالة لفكرة القومية اليمنية، ومحاربة من ينتصر لها، قديما وحديثا، وذلك يفسر المواجهات المحتدمة بين الامامة ورموز القومية اليمنية، بدءً بنشوان الحميري وأبو الحسن الهمداني وليس انتهاءً بالفقيه سعيد ورواد الثورة اليمنية الحديثة .
واختصارا: فإن محاولات الإمامة السلالية طمس التاريخ اليمني وتجريف الهوية اليمنية، هو تصرف الغازي الأخرق، الذي يرى أن عدوه الأكبر هو اعتزاز اليمني بهويته، وانفتاحه على العالم، وأن انتصار اليمني لهويته هو تهديد وجود للغازي المحتل، ونهاية لأحلامه، وهو ما يقلق اليوم الإماميين الجدد، الذين يرون في صحوة الهوية الوطنية، وتنامي الحس القومي اليمني، بداية النهاية لجرائمهم، ومعركة أخيرة يخوضها اليمنيون لاقتلاع فكر العنصرية والإرهاب الإمامي .