جرّب أن تسأل أحد من عايش الحرب مِمَّ تخاف !
سينظر إليك لبضع ثوانٍ وهو يتوه في داخله !
ما الإجابة الحقيقية لسؤال كهذا؟
الحقيقة أنك لن تحصل على إجابة واحدة ابدًا ..
لأن الإجابة الأجدر بالذِكر هي إنه خائف من كل شيء !
خائفٌ من الموت، من غياب أحبابه؛ من شهود لحظات وداعهم من فقدهم دون وداعٍ ايضًا ..
خائفٌ من الظُلمة؛ ظُلمة قلبه قبل الأمكنة.
من ضجيج الصواريخ، من الهدوء المريب قبلها، من وِحدته، من وجود الناس حوله، من كل الأشياء وضدها ..
من خيباته كلها حين تلاحقه دائماً.. من أحلامه التي دائماً يرى نفسه فيها راكضاً يلهث لا ينجو، بل يستيقظ كل يوم عند تلك اللحظة، عند مصيره تحديداً يفيق مفزوعاً.. يحمد الله على بعثه حيًا من جديد، ثم يخاف من بداية هذا اليوم وآخره،
خائف من الحرب من السلم الرمادي بعد الحرب
خائفٌ من سعادته، أن تنفد، من أجَلِها الذي قد يكون قصير !
من خواء روحه وانعدام أثره، ونسيانه بمجرد رحيله .
خائفٌ أن يُثقَل أو يُثقِل، ألا يكون جيداً بما يكفي، أن يصير عبئاً على أحدهم أو على أرض هذا الكون !
أن يُحِب من لا يحبه، أو يخدعه بحبه، أو أَحبه ولم يعُد، أو أَحبه ويُحبه.. ولكن غداً يُحتَمل ألا يُحبه .
أن يموت قلبه، ولم يأتِ أجلَه بعد .
لا شيء يوقف الخوف عند حدّه كما يفعل الإيمان.. لا شيء يُضفي الحياة على روح خائفة كالحب ..
لذلك في نظري، إن أعظم ما قد يُقدّمه أحداً لمَن أحب.. هو الأمان، ككُل ثياب الأرض تُدفِئ مُرتجف، كسند هائل لجدار يُريد أن ينقض، كمأوى دافئ في يوم شديد البرودة، كماء فاتر على نار مُتقدة، كمسحة طيّبة على جُرح نازف ..
فشريطة الحب، هو أمانه.. إن أحببتَ، فهَب لمحبوبك الأمان .
فإنك إنْ فعلتَ، فقد وهَبْته كل شيء .
وإن سلَبت، فقد سلبته كل شيء !