أنا رجل حرب مثير للشفقة لازلت أخشى الموت رغم كل ما حدث طوال سنوات الحرب التي قضيتها في هذه البلاد، استيقظ كل يوم فزعاً فأشعر بفراغ أشبه بثقب أسود يبتلع كل شيء تتزايد نبضات قلبي فجأة، هل أنا على حافة سكتة قلبية؟
أهذا هو موكب الوداع إذاً ؟
هل حانت اللحظة؟
أنا لا أرى شريط حياتي يعدو أمامي كما قيل، يبدو أنه انذار كاذب.. انه فقط يومٌ آخر يا أحمد يوم حرب آخر،
الطريف في الأمر أنني لا أعتبر الأمر نجاة أو انتصارًا، بقائي على قيد الحياة حتى هذه اللحظة هو أمر قدري لا أكثر، لمْ تساهم أحلامي ولا طموحاتي بجعلي أتمسك بحقي بالأكسجين كما البقية..
كل تلك السنوات!
من أخدع!!
لقد عشت حياة الآخرين على الدوام، كنتُ ساذجًا وذكيا في آن في مدرستي الإعدادية، مضحكًا وقاسيًا بحسب الحاجة للتملق لموظف الأحوال المدنية، خبيرًا بالأبراج مع تلك ومحاميًا مدافعًا مع أخرى، صبيانيًا مع أقراني وحكيمًا مع غيرهم، عبوسًا وبشوشًا، متفائلًا ومتشائمًا، ثائراً ومعارضاً، عاشق وحاقد، مجرم وضحية، محارب في جبهاتٍ متصارعة، حتى أنني كنتُ مُهتدًيا ومُرتدًا مرة !
حقيقةً..
لم أعد أعرف من أنا ..!!
أقول لنفسي، كل هذا سيمُر.. ستشرق الشمس دون خوف يومًا ما كما تغنّت جوليا بطرس، لكن شيئًا ما داخلي ينظر لهذه الأحلام ويبتسم بخُبث وكأنه يقول لي كلنا نعرف أن هذا لن يحدث.. أو على الأقل هذه الفترة.. ينقطع حبل أفكاري حين اتذكر أني لا املك ما يكفيني من المال لأصل إلى العمل، وأعود لأسأل نفسي كيف يتخطى الإنسان هذه الحياة دون إيمان، دون يقين يتغلب على هذا العالم المجنون حتى في عالم الأسئلة !
كل ما أريده الآن هو أن أطمئن.. أجد فرصة لطرح الأسئلة الحقيقية لا الأسئلة التي فُرضت علينا قهرًا بسبب الأوضاع والحرب والتشظي ..
وقبل أن أصل لنهاية محمودة مع عقلي في هذا الحوار العظيم تصرخ أمي من المطبخ
أحمد كمل الغاز ..
فأخرج من سكينتي وألعن العالم كله وأغني بصوت مرتفع علّ هذا اليوم يمرّ.. علّه ينتهي دون أن أفقد بين تفاصيله رباطة جأشي ، علّه يوم يُقربني من نفسي، أو من النهاية المرتقبة ..!