;
محمد مصطفى العمراني
محمد مصطفى العمراني

العلامة العمراني يتحدث عن أسباب شهرة شيخ الإسلام الشوكاني وتوليه القضاء واجتهاده ومؤلفاته 934

2022-03-16 08:38:15

الحلقة الأولى

حدثني شيخنا العلامة محمد بن اسماعيل العمراني ـ رحمة الله تغشاه ـ أن شيخ الإسلام العلامة محمد بن علي الشوكاني ـ رحمة الله تغشاه ـ بعد أن سار في طريق الاجتهاد واتباع الدليل وصمم على السير في هذا الطريق أتهموه بمعاداة أهل البيت وبأنه ضد المذهب الزيدي وهددوه بأنهم سيقتلونه وبعدها ثبت واعتصم واستطاع أن يثبت على المبدأ وإذا كانت نية الإنسان خالصة فلابد أن ينجح ، ومن حسن حظه أنه مات شيخ الإسلام القاضي يحيى بن صالح السحولي رحمه الله وقد كان الناس يقولون: إذا مات السحولي سيبطل القضاء في اليمن ، وبعضهم يبالغ فيقول : إن الدولة القاسمية في اليمن ستضعف بموته ؛ لأن السحولي كان عالماً كبيراً وكان في غاية الذكاء وفعلاً حينما مات أرسل الإمام المنصور بن علي أحد الوزراء إلى الإمام الشوكاني يبلغه طلب الإمام بأن يكون قاضي القضاة وشيخ الإسلام المسئول في الدولة بدل العلامة السحولي فلما وصل إليه رفض وقال: " أنا مشتغل بالتدريس والتأليف ".

وقد كان بدأ يؤلف كتاب نيل الأوطار فرد عليه الإمام : 

ـ إن المسألة بسيطة يمكنك أن تجمع بين التأليف والتدريس وهذا المنصب فتجتمع في رأس الأسبوع مع القضاة تقرر بعض الأحكام وترد بعض الأحكام .

shape3

  فرد عليه الشوكاني : 

ـ هذه أشياء بسيطة يمكن أن يقوم بها بعض تلاميذي وأنا مشتغل بما هو أعظم فرد عليه الإمام أنه لابد من ذلك فقال: " أعطوني مهلة أسبوع " .

  فأعطاه الإمام مهلة أسبوع فاستخار الله وأشار عليه العلماء أن يتولى هذه الوظيفة بدلاً من أن يتولاها إنسان جاهل فيكون الشوكاني مسئولاً أمام الله عن رفض هذا المنصب العظيم منصب قاضي قضاة اليمن ولما جاء الرسول وافق الشوكاني وحضر لدى الإمام واشترط ثلاثة شروط :

أولاً: أن يحكم على من كان عليه الحكم ولو كان من أولاد الإمام .

ثانياً: إذا كان هناك محبوس في أمر شرعي فله الحق أن يطلقه وليس لأحد من الوزراء أن يحبس في أمر شرعي إلا بأمر منه .

ثالثاً: أن تكفيه الدولة نفقته .

فوافق الإمام على ذلك فعاهدهم على أن لا يورث جربة ولا يبني بيتاً وأن يبقى في بيت الدولة أو بيت والده حتى آخر العمر فاستمر واحداً وأربعين عاماً وعاصر ثلاثة أئمة أولهم المنصور بن علي ثم المتوكل أحمد ثم المهدي عبد الله .

ومن القصص الهامة التي تؤكد على هيبة القضاء أيام شيخ الاسلام العلامة محمد بن علي الشوكاني رحمه الله :

أنَّ دعوى رُفِعت على أحد أعيان(بني حشيش)، بسبب سطوه على أرض جاره فأرسل إليه القاضي الشوكاني إشعاراً بالحضور إلى مجلس القضاء عنده؛ للفصل بينه وبين خصمه ، فرفض الحضور ، بل لَفَّ ورقة الإشعار أو الدعوى ببعض أغصان البرسيم وألقمها للثور وطرد الرسول من القرية فرجع الرسول ليخبر القاضي الشوكاني بِفِعلَةِ هذا الشخص الفظ الغليظ ، فما كان من العلامة الشوكاني إلا أن أرسل بدواة الحِبر تعبيراً عن استقالته من منصب القضاء، فوصلت إلى حاكم اليمن ، وكان حينها في قرية ذَهبَان شمال مدينة صنعاء، في ضيافة أحد الأعيان هناك ، فلما وصلت دواة الحِبر إليه سأل عن سبب ترك القاضي الدواة  فأوصلوا إليه الخبر فترك مضيفه ، وانطلق على جناح السرعة إلى بني حشيش، وبَلَّغ إلى صنعاء بإرسال ثُلَّة من الجنود مع المدفع الأصفر على الفور ، وكان هذا المدفع أكبر مَدَافِع صنعاء ويرمز لهيبة الدولة وقوتها ، فلما وقف الجميع أمام بيت ذلك القبيلي ، أمر الحاكم بنصب المدفع الكبير ، وأمر بذبح الثور ، وأمر بإخراج معدة الثور ثم جعل القبيلي يبحث في أمعاء الثور عن الورقة حتى أخرج الإشعار من بين الفرث ، ثم أمر بإرسال القبيلي مصحوباً بالجنود ، ومُكبلاً بالقيود إلى مجلس قاضي قضاة اليمن العلامة محمد بن علي الشوكاني ذليلاً خاضعاً للأمر الشرعي !!!

وهكذا عاش الإمام الشوكاني في منصب القضاء (41 عاماً)، رافع الهامة، مُشَيِّداً للعدالة، ومُبَدِّداً لِسُحُب الظلم والجهالة، ومُنَصِّباً لقضاة الشرع في ربوع مملكة اليمن آنذاك ، من أهل الكفاءة والضبط ، ومَن استوفى للاجتهاد الشرط .

وأضاف القاضي العمراني في المقابلة التي أجريتها معه : فلما أصبح شيخ الإسلام قاضي القضاة استطاع أن يطبع كتبه وينشر علمه وانقمع المعادون له من الجامدين والرافضين والمتعصبين فأصبح الشوكاني بعد موت شيوخه أكبر عالم في اليمن ومتقلداً أكبر وظيفة دينية وشرعية فاستطاع أن ينشر اجتهاداته وينشر آراءه ومؤلفاته وتشيَّع له علماء من الهند وطبعت مؤلفاته وأعجب به وبمؤلفاته العلامة صديق حسن خان صاحب الروضة المأخوذة من مؤلفات الشوكاني وكان يقول: شيخنا الشوكاني وهو ليس بشيخه ولا يزال بعض مؤلفات الشوكاني مخطوطاً في الهند ، وبعض المخطوطات انتقلت إلى مصر فطبعت فاشتهر .

سألتُ القاضي : إذا أراد طالب علم أن ينسب للشوكاني رأياً في المسألة فعلى أي كتاب يعتمد لأن الشوكاني تراجع عن بعض المسائل؟

أجاب القاضي : يعتمد على السيل الجرار فهو آخر كلام الشوكاني وأول قول له في نيل الأوطار فالذي يريد جديد الشوكاني فعليه بكتاب السيل الجرار وهذا ليس عيباً بل فيه دليل على أنه لم يبق جامداً على المعلومات الأصلية وقد عاب بعضهم العلامة الألباني لأنه كان في بعض المؤلفات يصحح حديثاً وفي بعضها يضعف الحديث نفسه وهذا ليس عيباً في العالم .

الإمام الشافعي كان له في بغداد آراء فلما وصل إلى مصر تغيرت آراؤه، والإمام أحمد بن حنبل تعددت آراءه في بعض المسائل إلى ثلاثة آراء .

فمثلاً في نيل الأوطار قال الشوكاني: إن غسل الجمعة واجب وفي السيل الجرار تراجع عن كلامه السابق وقال: بأنه مسنون .

يتحدث القاضي العمراني ـ رحمة الله تغشاه ـ عن مؤلفات الشوكاني فيقول: (مؤلفات الشوكاني من أبعد المؤلفات عن التناقض والجمود والتقليد ، كما أنها من أعظم المؤلفات التي تحافظ على نسبة كل حديث إلى مخرجه وراويه كما لا يخفى على عارف بها .

وقد لاحظت ذلك عند دراستي لها، ولكنها لا تخلو في بعض المواضيع من مخالفة لما قلته سابقاً ، فتراه في بعض المواضيع وجود حديث ويبني على عدم وجوده حكماً شرعياً، مع أنه موجود ، ثم يسوق أمثلة تؤيد كلامه ، أو أنه قد يسهو والجواد قد يكبو والصارم قد ينبو ، وإنه رحمة الله تغشاه قد نزه كتبه بقدر ما أعطاه الله من إتقان وفهم من الأحاديث الموضوعة أو التي ليس لها أصل في كتب السنة المطهرة ـ على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم ـ ولكنه مع ذلك قد وقع فيما حذر منه وحذر . (1)

  ولا بد من معرفة أيها مؤلفات الشوكاني المتقدمة وأيها المتأخرة ، وذلك لأجل إذا تعارضت أقوال الشوكاني نعرف المؤلفات الجديدة من المؤلفات القديمة ونعرف أين هو الناسخ وأين هو المنسوخ ؟ 

فمن مؤلفات الشوكاني القديمة كتاب " نيل الأوطار " فهو أول مؤلف للشوكاني الكبار وبعده كتاب " وبل الغمام " فكتاب " نيل الأوطار " ألفه الشوكاني من السنة السابعة إلى السنة التاسعة يعني من سنة 1207 هـ إلى سنة 1209 هـ ، وكتاب " وبل الغمام " ألفه الشوكاني في سنة 1213هـ فهو بعده فإذا تعارض ما في كتاب " نيل الأوطار " وكتاب " وبل الغمام " فيعمل بما في كتاب " وبل الغمام " لأنه بعده ومتأخر عنه .  

وبعد ذلك كتابي " الدرر البهية " و" الدراري المضيئة " ألفهم في حوالي 1220هـ وبعد ذلك كتاب " فتح القدير " ألفه الشوكاني في سنوات 1223هـ و 1224هـ و 1225هـ، أما آخر مؤلفاته الكبار فهو كتاب " السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار " صنفه الشوكاني قبل موته بـ 15 سنة أي في سنة 1235 هـ .

ويضيف العلامة العمراني : ( فإذا تعارضت أقوال شيخ الإسلام الشوكاني في مؤلفاته فالعمل على ما في كتاب " السيل الجرار " لأنه القول الأخير ، القول الجديد ، القول الناسخ لما قبله ) . (2)

يتبع في الحلقة القادمة ..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ انظر : كتاب ( العلامة محمد بن إسماعيل العمراني حياته وجهوده العلمية ) للدكتور عبد الرحمن الأغبري صـ 311

2 ـ من مقابلة مع القاضي العمراني في قناة السعيدة بعنوان : " مجالس رمضانيه مع القاضي العمراني 3 " على هذا الرابط : https://www.youtube.com/watch?v=EZKuFfAbX5c

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد