الأطفال هم الفئة الأشد ضعفًا في المجتمع لا سيما في أوقـات الحروب والصراعات المسلحة، وبالرغم من تضمين حماية الطفولة في الاتفاقيات والمعاهدات والبروتوكولات التي تحمي الطفولة إلا أنها تتزايد خاصة في أوساط الجماعات والمليشيات المسلحة خارج إطار الدولة، ففي اليمن عمدت مليشيا الحوثي المسلحة منذ بداياتها الأولى على استهداف أطفال اليمن وتجنيدهم وممارسة مختلف الانتهاكات بحقهم.
الطفولة في القوانين الدولية
صادقت الجمهورية اليمنية على العديد من المعاهدات والمواثيق الدولية التي تنص على حماية المدنيين والطفولة مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف الأربع والبروتوكولات الملحقة بها والتي تمثل الشرعية الدولية، وصادقت اليمن على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل والبروتوكولات الملحقة بها، واتفاقيات تجريم زراعة الألغام وغيرها من الاتفاقيات الدولية التي تحمي المدنيين خاصة الأطفال، وجميع الأطراف ملزمة بتطبيق الاتفاقيات بما فيها الجماعات المسلحة والمليشيات التي خارج نطاق الدولة.
الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل
بعد تأسيس هيئة الأمم المتحدة وتحديدًا في عام 1948م صدر "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" وهذا الإعلان يعد أول تقنين دولي لحقوق الإنسان يتصف بالشمول، وأعطى حقوقًا أكثر للطفل، فبالإضافة إلى النصوص التي منحت الطفل حقوقًا وحماية باعتباره فردًا كبقية الأفراد، فإن الإعلان خص الطفل بنصوص تنظم حقوقه بشكل خاص.
في عام 1959م أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة إعلان حقوق الطفل بالإجماع والذي يتكون من عشرة مبادئ أساسية تتعلق بحقوق الطفل وحمايته من التعرض للتعذيب والقسوة والإهمال ومن كل أشكال التمييز العنصري والديني.
كما أن صدور البروتوكول الإضافي الأول والثاني عام 1977م الملحقين باتفاقيات جنيف الأربع، تهدف إلى حماية حق المدنيين والحفاظ على أرواحهم وحرياتهم وممتلكاتهم بمن فيهم الأطفال، بالإضافة إلى أن اتفاقية حقوق الطفل التي صدرت عام 1989م تعد هي أهم الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تؤكد حق الطفولة في الحياة، بعيدًا عن كل أشكال التمييز العنصري والعرقي والديني، وحمايته من كل أشكال الاستغلال.
المادة الأولى من اتفاقية حقوق الطفل تعرّف الطفل بأنه "كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه".
وتحرّم قواعد القانون الدولي الإنساني الاعتداء على المدنيين، فتلزم الأطراف المتعاقدة بضرورة اتخاذ التدابير المناسبة التي تجعل المدنيين بمعزل عن التأثر بالعمليات الحربية، ويلاحظ ذلك في اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين وقت الحرب عام 1949م والتي تعترف بحماية عامة للأطفال باعتبارهم أشخاصًا مدنيين لا يشاركون في الأعمال العدائية. وتعترف لهم أيضًا بحماية خاصة وردت في سبع عشرة مادة على الأقل، ولما كان البروتوكولان المؤرخان في عام 1977، والإضافيان لاتفاقيات جنيف لعام 1949، يمثلان تعبيرًا عن التقدم الهام الحاصل للقانون الدولي الإنساني، فإنهما يمنحان الأطفال حماية خاصة ومتزايدة ضد آثار الأعمال العدائية.
القصف الممنهج للعقول
أعلنت مليشيا الحوثيين مؤخرًا قرارًا يفيد بجعل امتحانات الصفوف من السادس أساسي وحتى الثامن امتحانات مركزية وزارية لتضمن بذلك إجبار المعلمين على تعليم فكرها الطائفي وتغييراتها الممنهجة في الكتب المدرسية لهذه المراحل الدراسية مستهدفةً بذلك عقول الناشئة تدميرًا وقصفًا وتجريفًا وتربية، كما ظهر في أحد الكتب المدرسية تغييرًا لقصيدة الدكتور عبدالعزيز المقالح، التي تتحدث عن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، وهو ما حصل أيضًا مع قصائد البردّوني، ليصل بهم الحد إلى إضافة أحد شعراء السلالة في المنهج المدرسي وهو معاذ الجنيد، الأمر الذي لاقى استهجانًا واسعًا.
وهكذا تستخدم مليشيا الحوثي المؤسسات التعليمية والتربوية كمنصات للتدريب وتجنيد الأطفال، واستهدفت القطاع التعليمي بشكل مباشر، عمدت المليشيات تعيين يحيى الحوثي شقيق زعيم الجماعة والذي لا تتوفر لديه أدنى المعايير العلمية والتربوية لإفراغ التعليم من محتواه بصورة ممنهجة ومتعمدة لتجريف العملية التعليمية والعبث بمؤسساتها ووسائلها وإمكانياتها، والذي يعد تدميرًا لحاضر ومستقبل الأطفال في اليمن.
وتمعن مليشيا الحوثي في إقصاء وفصل الكوادر التربوية والتعليمية والتي تتمتع بخبرات وكفاءات عالية واستبدالها بعناصر سلالية عقائدية وتوزيعهم في مختلف مستويات التعليم لاستقطاب الأطفال في فصول الدراسة والمدارس إلى جبهات القتال.
لم يتوقف الأمر عند ذلك فحسب، بل استعانت مليشيا الحوثي بخبراء من إيران وحزب الله اللبناني إلى جانب عناصر طائفية سلالية لتغيير المناهج الدراسية؛ لطمس الهوية الدينية والوطنية وتقديس رموزها الطائفية وتتعارض مع قيم الجمهورية والثوابت الوطنية وتمزق نسيج المجتمع وتعزز الفرقة والعنف وتدعو إلى ثقافة الكراهية والقتل وتنتهك الطفولة، كما ورد سابقًا.
تواصل مليشيا الحوثي فرض ترديد الصرخة الخمينية المستوردة من إيران بديلًا عن النشيد الوطني وتستبدل مادتي التربية الإسلامية والوطنية بملازم حسين الحوثي وخرافات وروايات تمييزية وعنصرية تدعو إلى تمجيد وتقديس السلالة، الأمر الذي أثار غضب وسخط واسع في المجتمع، لكنها تستخدم قوة السلاح والتهديد لفرض معتقداتها وسياساتها التعليمية المنحرفة ضد الأطفال.
مراكز صناعة الإرهاب
تحرص مليشيا الحوثي كل عام على استقطاب الأطفال إلى مراكزها الصيفية والتي من خلالها تبث سمومها القاتلة في عقول أطفال صغار لتستغل صفاء رؤوسهم الطرية لتستخدمها في غرس مفاهيم القتل والعنف في المجتمع.
في الوقت الذي ينتظر فيه الآباء والأمهات الإجازة الصيفية لتزويد أطفالهم بالمعارف والمهارات والمعلومات النافعة والمفيدة في المراكز الصيفية، ويصابون بخيبة أمل عند مسارعة مليشيا الحوثي في الإعداد لمراكزها الصيفية وفرضها بقوة السلاح وحشد كل طاقات وإمكانيات ومؤسسات الدولة للدفع بأطفال اليمن إليها، وتستغل هذه المراكز والذي تعتبرها موسمًا خصبًا لعمليات غسل العقول والتدريب على الأسلحة للأطفال دون سن السادسة عشرة والزج بهم إلى الجبهات والمعارك العسكرية في انتهاك صارخ لكل الشرائع والمواثيق الإنسانية.
تقول مليشيا الحوثي بأن مليون طفل في 16 محافظة التحقوا بمراكز صناعة إرهابها الصيفية، وبغض النظر عن مبالغتها في إعلان مثل هذه الإحصائيات وعزوف المواطنين من الدفع بفلذاتهم إليها والرفض المجتمعي الواسع لهذه المليشيات وأفكارها الهدامة، إلا أن الخطر ما يزال قائمًا وهناك المئات من الأطفال التحقوا بهذه المراكز وسيكونوا وقودًا لحروبهم القادمة.
خلال السنوات السبع الأخيرة تزايدت عمليات انتحار مُخيفة، وتكررت جرائم قتل وحشية مارسها الأطفال ومن في حكمهم ضد أقاربهم وما أقسى وأسوأ أن يكون الآباء والأمهات والأخوة وغيرهم من الأقارب هم حصاد وحشية مرعبة والجناة عناصر من أسرهم تنتمي فكرياَ للمليشيات وتخرجت من مراكزها الصيفية وحوزاتها المتطرفة.
وتهدف إلى زيادة المآسي لأطفال اليمن نتيجة سياستها التدميرية، بحسب تقارير لمنظمات الأمم المتحدة، فإن أكثر من 10 آلاف طفل في اليمن قتلوا وأصيبوا، وهناك أكثر من مئة ألف طفل يموتون سنويا نتيجة الأمراض الفتاكة بحسب وزارة الصحة اليمنية.
تجنيد الأطفال
تقوم مليشيات الحوثي الانقلابية بعمليات تجنيد واسعة لأطفال اليمن وهي جريمة دأبت عليها منذ وقت مبكر وتستغل تجنيد الأطفال واستخدامهم في الأعمال العسكرية كوقود في معاركها القتالية ضد أبناء اليمن، في انتهاك للقانون الدولي الإنساني واتفاقية حقوق الطفل والبروتوكول الاختياري لمنع تجنيد الأطفال، الذي يجرم تجنيد من هم دون السن القانونية وحددها بثمانية عشر عامًا.
وبحسب إحصائية لوزارة حقوق الإنسان فإن مليشيا الحوثي جندت عدد 30 ألف طفل