;
فضل الكهالي
فضل الكهالي

الكهنوتية.. حُكم الغاب! 2042

2022-11-15 00:31:10

كاذبٌ من يقول إنّ الكهنوتية فكرٌ نظريّ قابل للتطبيق، لأن ما يترتب على سوء استعمال السّلطة بسببها عملياً، والذي أصبح البعض يراه أمراً لا مفرّ منه في اليمن كارثيّ بكل ما تحمل الكلمة من معنى، إذ لا يمكن تنظيمها أو تقنينها مهما حاول المُشرّعون الداخليون أو سعى إلى ذلك المبعوثون الأمميون ومَن وراءهم مِن صُنّاع القرار المهيمنين على مجلس الأمن. فكلّ بلد يجب أن يُحكَم بحسب الوضع المحلي وطبع السكان، وهذا ما أغفله مبعوثو الأمم المتحدة واللاعبون الكبار فيما يخصّ الملفَّ اليمني. وكان الأجدر بهم أن يتخذوا من مَخرَجات الحوار الوطني التوافقية أساساً للتصحيح، لأنها نابعة من قناعات الشّعب، ما يجعلها الأصلحَ لليمن ولليمنيين .

إنّ ما يجعل نظام الدولة متيناً على المستوى الداخلي وحاضراً بقوة على الصّعيدين الإقليمي والدولي هو عدم الإمعان في اتّباع الإملاءات التي تتعارض وقوانينَ الطبيعة السّياسية حرفياً، لأنها تصيب الأمن والأمان الداخلي والإقليمي في مقتل. فالقرار الشّجاع لن يصدر إلا من نظام يعترف بالقوى السّياسية، وهذا ما لا يمكن أن تقوم به جماعات رجعية من تصرّفات غير مسؤولة، لأنها بمثابة أدوات عاجزة عن تحقيق أي إنجاز حقيقي. وكلنا نعرف أن الأنظمة إذا أخطأت في تحقيق أغراضها التي تَدعَمُ وجودها، فإنّ اللاعبين الكبار سيضطرّونها إلى اتخاذ إجراءات غير التي تعبّر عن الحقيقة، كأن تستهدف مَواطن الثروة أو تتخذ التركيبةَ السكانية وسيلةَ ضغطٍ لتمرير قراراتها.. وهذه أمور تؤدّي إلى ضعف القوانين رويداً رويداً، وإلى فساد الأنظمة، وبالتالي تقهقر الدول وانهيارها .

يعيش اليمن اليوم فراغاً تمخّض عنه تفكيك مُؤسّسات الدولة وتغييب السّلطة الحقيقية بوصفها مُوجّهاً أخلاقياً، قبل أن يكون سياسياً واجتماعيا. فقد جرفت ريح الطائفية والمناطقية العاتيةُ التي هبّت على البلد جلّ المُؤسّسات الفاعلة في الساحة. أمّا ما بقي منها على قيد الحياة فلم يعُد يتمتع باستقلاليته تامةً، وبات مجرّد ذراع من أذرع النظام الفئوي، الذي صار رجاله جُباة للمال، واحتكار الوجاهة الاجتماعية، ومسيطرين على كل شيء، ما جعل مُؤسّسات الدولة تتحول إلى الهامش وأوجد كيانات جباية لا تعرف ما معنى "نظام حُكم "!

لقد تدهور الوضع أكثرَ في ظلّ وجود الفئوية، التي يُجسّد ما يطلق على نفسه جماعة "أنصار الله" أبرزَ صورها، من خلال تبنّيها لتشوهات نظام هجين أساسه في إيران وجدرانه الأساس مراكزُ القوى في الأمم المتحدة ومجلس الأمن؛ وأبرز سماته التكوينُ السّطحي واللغة الخطابية الجامدةُ والكسيحة العاجزة عن الحفاظ على موقع اليمن كدولة في العالم التقليدي أو الحديث؛ علاوة على أنّ الحرب الدولية على الإرهاب زادت الطين بلة وساعدت مُدّعي الفئوية ومُتبنّيها في جرف ما تبقى من ظلال باهتة للحُرّية الدينية في اليمن. ولن تتوقف عند هذا الحد، بل ستمتدّ إلى دول الجوار، بحكم التقارب المذهبيّ بين شمال اليمن وجنوب السّعودية، الغني بالثروات، وذلك من خلال المساعدة الدولية، التي تصنف كل المُؤسّسات التقليدية المعارضة لأذرع إيران كمصدر لتفريخ الإرهاب والإرهابيين ومنبع للتطرّف والمُتطرّفين .

إنّ بلدنا يعيش اليوم دوامةَ ضياع تُفاقمها أنظمة التسلط المرعوبة من استفاقة الوعي المُطالِب بالتغيير والإصلاح، من قِبل كيانات فئوية الغرضُ الرئيسي من وجودها هو استثمارُ تغييب اليمني عن ماضيه وحاضره ومستقبله؛ وتحويل المواطن إلى كائن سطحي بلا هوية ولا رؤية ولا وجهة، في عملية تجريف ثقافي عامّ أفرزت ما نراه اليوم من هشاشة في التكوين السّياسي والاجتماعي والثقافي عموماً، والنزوع نحو السّطحية والتفاهة والتطرّف في آن، في عملية تدمير مُمنهَج ألقى بالبلاد في متاهات الفوضى .

في سنوات الحرب الماضية كان العيب السّائد في تعامل الإدارة الأمريكية والأمم المتحدة مع اليمن هو أنهما عملتا -عن قصد أو غير قصد- على تعميق الخلاف بين مكونات المجتمع اليمني. فكل عمل كان يبدو مُحايداً كانت له تبعات طائفية عميقة جدّا على اليمن وعلى المنطقة، من خلال توفير غطاء سياسي للحروب بالوكالة التي ينفذها وكلاء تحيطهم برعاية فائقة. والنتيجة هي خلق أنظمة معوقة اجتماعيا وعقليا، ولكنْ في أماكن مختلفة من عالمنا العربي، كنتيجة حتمية للمعارك التي يخوضونها مع الآخرين وبأكثرَ من طريقة؛ مع ممارسة الإشراف الدبلوماسي عليها، ما يُجبر الأطرافَ المتنازعة على التفكير في الطريقة التي تحمي بها نفسها من المؤامرات، بدل التفكير في الكيفية التي تنتصر بها لقضاياها وتحسم أمورها تماماً، لا سيما إذا كنت تمتلك المقدرة على ذلك، وبالتالي تريح نفسها من التفكير في الأعداء الذين يجب أن تنتصر عليهم .

وهكذا، فإنّ الخطر الأعظمَ لإستراتيجية أمريكا والأمم المتحدة الجديدة ليس أنها لن تنجح، بل أنها قد تنجح فعلا، ما سيؤدّي بالتالي إلى دفع البلاد والمنطقة خطوة إضافية على الطريق نحو حرب مذهبية طائفية شاملة قد تؤدّي إلى إعادة تقسيم الجزيرة العربية وظهور دولة دينية جديدة تتبنّى المذهب الشّيعي أو المذهب الجعفري الاثنا عشري صراحةً. ولن تكتفي بذلك، بل ستسعى إلى استعادة ما تطلق عليه حقها المسلوب في الإشراف على المُقدَّسات، كما كان عليه الحال أيام الشريف حسين، الذي لم يكُن سوى شمّاعةٍ لتقسيم المنطقة العربية ككلّ .

وبما أنّ الإدارة الأمريكية تستخدم قانون "عكّر الماء لتصطاد السّمك"، فإنها تلجأ إلى خلق أعداء طائفيين للدول الغنية التي تبتزّها الدول النافذة، ثمّ تلجأ إلى إجبار جميع الأطراف على القبول بمعاهدات ظالمة تخدم إيران؛ بينما تقوم الإدارة الدولية برصد جميع الانحرافات التي تخللت مرحلة الحرب لتسجيل نقاط ضعف ستتحول إلى أوراق ضغط ضدّ المملكة العربية السّعودية تحديداً، لأنها مُستهدَفة أكثرَ من أيّ طرف آخر!..

ومن أجل تلافي هذه الأمور، فإن الردّ العسكري حق مشروع وتصرّفٌ منطقي على تلك الإستراتيجية الخبيثة التي تتّبعها أمريكا وبعض مراكز القوى في الجزيرة العربية .

shape3

ولعلّ اللعبة الدولية الأكثرَ خطورة هي تدمير الأنظمة التي سبق للمجتمع الدولي نفسه أن اعترف بها، وتسليم زمام الأمور والمبادرة إلى ميلِشيات مسلحة لها أهداف وأبعاد دينية وتحويلها من خصم ساذَج إلى كيانات مُتغطرسة ومُتكبّرة تحاول إظهار أنّ كل التصرّفات تجرح كبرياءها، وأنها ستردّ عليها بعنف، رغم أنها خائرة وهشّة.. وإن حدث أن هاجمت، فإنها تهاجم بضربات خفيفة في البداية، إلا أن ضرباتها ستكون أقوى تدريجياً في حال أراد لها اللاعبون الدوليون ذلك . إنها كالثعابين، والثعبان إذا ناوشته فإنّ عليك أن تقضي عليه، قبل أن يلتفّ حولك ويكون سبباً في القضاء عليك.. وفي اليمن أستغرب ممن يقولون إنّ من يطلقون عليهم جماعة "أنصار الله" التقطت الطعم، وكأنهم يتحدثون عن دعابة، وليس عن معركة لا تقبل القسمة على اثنين، فما بالكم بثلاثة!؟

إنّ ما يجري في اليمن والمنطقة هو بالضّبط السّببُ في نجاح أذرع إيران في التفوق في المناورة على الهجوم الدبلوماسي الذي شنّه ولا يزال يشنّه أعداؤها عليها. فالتيارات الشّيعية تخدم إيران، التي تستخدم اليمن وسوريا وجنوبَ لبنان والعراق كأوراق للتفاوض. فهذه الأطراف تُركّز دائماً على التهديد الذي يمثله حصول إيران على أسلحة نووية، بينما تتحول القضية الأساسية للجزيرة العربية إلى ورقة يتمّ إشهارها في جميع الحالات. وفوق هذا، تُلوّح واشنطن دائماً بالحرب العالمية على الإرهاب.. بينما يتلاعب المسؤولون الأمريكيون بالجميع من خلال إثارة موضوع إيران النووية دائماً وأبدا، ويتجاهلون أنّ أذرع إيران هي إرهابٌ في حقّ العرب جميعاً. ولهذا، يتواصل توقيع الاتفاقيات معها من الباطن، لتعزيز موقفها في حالة تدهوُر الأمور أكثر في دولة إيران، التي عجزت عن احتواء الحِراك الشّعبي فيها .

لقد أسهم انهيار القيم السّياسية النبيلة في التوسّع الهائل لامتداد جماعات التخلف الرّجعية التي بدأت تتغلغل إلى النفوس وتكتسح المجتمع. وكلّ هذا لأنها لم تجد مُجتمعاً يُقدّس الحُرّيات ويرتكز على نظم اجتماعية فعّالة وبنّاءة، ما حوّل اليمن وسيُحوّل الجزيرة العربية إلى حلبة صراع بينها وبين الاستقرار والحياة السّوية، بكل ما تتميز به من رقيّ وأمن وتحضّر. فمن الآن وصاعدا ستتحول العقلية الفردية والجمعية إلى بؤرِ صراع تفقد من خلالها المخلوقات المحيطة بها دلالاتها التي تكفل للجميع مكانة مرموقة، لأن المكانة التي وصلت إليها تنحطّ وتنحدر سلوكياً بكيفية مُخيفة ومرعبة .

إن الرجعيين والظلاميين هم المتآمرون من أجل تجريد المنطقة من خيراتها وخلق فراغ حُكمٍ وفراغٍ دينيّ فيها، لأنهم يدافعون عن تصور سلبيّ قائم على أمجاد السّلالة وأبعد ما يكون عن الحُرّية. بل يحاربون كلّ من يعطي أهمية كبرى لمفهوم الحُرّية. ولهذا، ينبغي علينا أن ننزع إلى مجتمع تُحقّق فيه الإدارة العلمية لكلّ فرد استقلالا ذاتيا أكبر. ولم يعد هناك ما يمكن أن يتم الاتفاق عليه؛ فحتى النقاش المتواصل حول المواضيع ذاتها أضحى اليوم ظاهرة مُبخَّسة، وغالباً ما يُساء فهمها، بالنظر إلى كل ما يترتب عليها من الأخلاقيات، التي تُثبت أنّ الغرض لا يأتي من التوافق بين الخسائر والمغانم فقط، بل إنه أكثر تعقيداً وتركيباً من هذا، إنه إقرار العدل، ولا شيءَ غير العدل !

* نقلاً عن موقع "المصدر أونلاين "

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد