ما من شك في أن الحكومة ومن خلفها التحالف يواجهان تحدي التعطيل القسري للقطاع النفطي، الأمر الذي استدعى إعادة إحياء الوديعة التي كانت دولتا التحالف قد تعهدت بتقديمها قبل ثمانية أشهر إثر التغيير في هرم السلطة الشرعية وفرض مجلس القيادة الرئاسي الحالي.
النفقات التشغيلية مهددة بالفعل جراء توقف عملية تصدير النفط، وفي تقديري أن الوعيد الذي حفل به بيان الاجتماع الاستثنائي لمجلس الوزراء المنعقد يوم الأربعاء قبل الماضي رداً على تفاقم الهجمات بالطائرات المسيرة إيرانية التجميع والتركيب على المنشآت النفطية في جنوب البلاد، لا يكفي وحده وقد يبقى في إطار المعركة الكلامية إذا لم يتحول إلى إجراءات خشنة ومشروعة على الأرض ومنها الردع الكافي لتهديدات الجماعة الانقلابية المدعومة من إيران.
هناك طرفان يدعيان أنهما الأقدر على مواجهة حلفاء إيران في اليمن، وهما التحالف والتشكيلات العسكرية التي بناها ودعمها وفوضها للتحكم بمسرح العمليات على حساب الجيش الوطني والمقاومة الشعبية.
لكن هذين الطرفين يتخليان اليوم عن دورهما في حماية المنشآت النفطية في جنوب البلاد والحيلولة دون تقديم الدعم اللوجستي والاستخباري من قبل عناصر مزروعة في محيط هذه المنشآت، في حين أن الطائرات المسيرة والأسلحة حضرا بقوة في حرب الانفصاليين ضد القوات الحكومية في شبوة والتي كان من بين أهدافها إحكام السيطرة على المنشآت والحقول النفطية في هذه المحافظة.
ها هي حروب الانقلابيين المدعومين من إيران تتركز حول القطاع النفطي وتستهدف منشآته ومنصات تصديره، وهو توجه خطير يعطل أهم أسلحة الحكومة وسيكون له تبعاته الكارثية الفورية في ظل المسارات المتعرجة التي فتحتها دولتا التحالف لتقديم الودائع إلى حد يبدو الأمر كما لو كانت الدولتان تتعاملان مع دولة ذات سيادة وسلطة متعافية ووضع طبيعي حتى تثار قضايا مثل الفساد والإصلاحات وغيرها.
لا يقل الابتزاز الذي تمارسه دولتا التحالف عن عدوان جماعة الحوثي على الدولة والشعب والموارد، مما يستوجب وجود إرادة لا أظنها متاحة الآن للتحرر من هذا الضغط الاستراتيجي الخطير المزدوج هذا، تتلازم مع استعداد لمواجهة عسكرية شاملة ونوعية وحاسمة مع جماعة تختطف الدولة والشعب اليمني وتهدد المتاح من موارده.
يتوجب على السلطة الشرعية أن تتحرر من حالة التشظي الراهنة وهو تحدي كبير في ظل هذا الحشر المتعمد لشخصيات تمثل مشاريع سياسية متصارعة في هرم السلطة الشرعية، وإلى أن يتحقق ذلك يمكن بعدها الركون إلى أن السلطة الشرعية سيكون بمقدورها خوض المعركة لصالح الشعب اليمني، تدور بالفعل حول أهداف واضحة ومجمع عليها من الشعب اليمني وأنه من غير الممكن بالفعل فرض أهداف عبثية في سياق معركة وطنية تتطلب أولاً وقبل كل شيء وحدة الصف والموقف والهدف.
ومن المؤسف حقاً أنه لا مؤشرات فيما يتعلق بإمكانية أن تذهب السلطة الشرعية إلى معركة مفتوحة مع الجماعة الانقلابية في صنعاء، لأن قرار الشرعية مصادر بالكامل لصالح دولتي التحالف، ولأنه لا توجد أرضية موضوعية لبناء موقف وطني مستقل بقيادة الشرعية وهي بهذه الوضعية المتشظية والضعيفة والمتضاربة الأهداف.
وبما أن الجميع يعلم أن العقيدة القتالية التي تستوعب المشروع الوطني وتتماهى مع أهدافه هي تلك التي يتسلح بها الجيش الوطني المرابط في جبهات المواجهة التقليدية والحاسمة مع المسلحين الانقلابيين المدعومين من إيران.
فإن الشرعية تحتاج إلى أن تثبت أنها بالفعل تستند إلى الأدوات الوطنية في معركتها، كأن تتخلى عن السياسات الكارثية التي تتبناها حالياً تحت الضغط الهائل من جانب التحالف، ضد الجيش الوطني، وهو ما تؤكده معلومات ذات مصداقية تفيد بأن الحكومة لا تزال تتبنى مواقف وإجراءات غير ودية مع هذا الجيش خصوصاً ما يتعلق بتحسين وضعه المعيشي.
وكما هو واضح فإن الحكومة حتى وإن توفرت نية لدعم الجيش الوطني فإنها لا تزال عرضة لضغوط لا تستطيع مقاومتها أو التملص منها وتهدف في المحصلة إلى إضعاف المشروع الوطني عبر استهداف الجيش ذاته، والعمل بشكل متعمد على تمكين التشكيلات المسلحة التي تتميز بمواقفها المحايدة أحياناً تجاه المشروع الوطني الجامع، والمعادية له أحياناً أخرى.