انتفاضة الثاني من ديسمبر خلقت أمرًا أكثر أهمية مما يتراءى للناظر من قلب الحدث المليء بالتفاصيل ، ونعني به الارتباط بالجمهورية ورفع الروح المعنوية واستعادة الثقة بالنفس التي أصابها الاستسلام ، وتحسين المناخ السياسي بعد أن كان قد فقد بريقه ، ففي أعقاب هذه الملحمة الصغرى التي جرت وقائعها في العاصمة صنعاء ، استعاد المؤتمر الشعبي العام اعتباره كحزب جمهوري وكمرجعية وطنية ، وليس من المبالغة القول ، إن هذه الانتفاضة قد حققت أهدافا أبعد مما كان مرجوا منها ، وأنجزت في غضون يومين ما يمكن البناء عليه لثورة تجرف مشروع الإمامة والتخلص من جذوره السامة .
كان قائد هذه الانتفاضة الشهيد علي عبد الله صالح الذي أعطى للأقيال خاتمة تختلف عما ألفه اليمنيون وأطلق صرخة غير مألوفة في أحد الفصول من مسرحية الحوثيين الدموية ،فقد قاد صنعاء من رماد النكبة إلى جمرة المقاومة ، صحيح أن غياب صالح أدى إلى تمزق المؤتمر الشعبي العام وإلى تمزق اليمن بوصفه كان الوحيد القادر على جمع الأطراف المختلفة ، فقد وصفه أحدهم بأنه كان كالصمغ اللاصق للسلطة والمعارضة ، وعندما استشهد تفككت السلطة والمعارضة ولم يعد هناك ما يربط بين اليمنيين كونه من شكل محور النظام السياسي اليمني خلال فترة حكمه ومن بعده واجه المؤتمر بشكل خاص والسلطة بشكل عام خيارات صعبة .
وما نحن بصدده اليوم هو الحديث عن عدم قدرة المؤتمر وحتى السلطة بشكل عام عن إيجاد شخصية قوية قادرة على اتخاذ القرارات، فالمؤتمر يعاني من أزمة عدم القدرة على ملء الفراغ الذي خلفه استشهاد صالح ، وها نحن نشاهد الترهل الحاصل والاسترخاء في المؤتمر وبدلا من تحويل وصاياه العشر إلى برنامج ثوري ، حولنا دمه إلى استثمار شخصي وسوف يوزعون الاحتفاء بدمه غدا بين بيروت والمخاء وربما القاهرة إن أمكن ذلك .
غياب صالح أدى إلى تمزق المؤتمر ولم يستطع أحد بعده أن يكون القائد الجامع لقواعد وكوادر المؤتمر، بل إن بعضهم مسحوا تاريخ صالح ومسحوا تاريخ اليمن في عهده وتاريخ المؤتمر ورموا بالميثاق الوطني ولوائح وأنظمة المؤتمر وأطلقوا على أنفسهم عفاشيين بغباء أو بقصد يزيلون ٣٣ عاما من هوية الشعب اليمني مسجلة في كل المحافل الدولية باسم رئيس اليمن علي عبد الله صالح ولن تجد لمسمى عفاش أي أثر ، بل جزء من مؤامرة على محو اسم المؤتمر .
نستقبل الثاني من ديسمبر والمنتفعين من المؤتمر يمارسون التعدد في القيادة وبمسميات مختلفة ولم يكتفوا بتمزيق المؤتمر ووضعه على حافة التفكك كحزب وكمشروع سياسي ، بل ذهبوا إلى تمزيق كتلة المؤتمر داخل البرلمان وباعوا أعضاء البرلمان في سوق النخاسة على غرار ما كانت عليه أسواق العبيد في الماضي وشروهم بريالات معدودة
كل رأس بثلاثمائة ألف ريال سعودي أقل بقليل من ثمن خروف تم بيعه في المزاد العلني قبل أشهر في إحدى الدول الخليجية .
منح استشهاد صالح المؤتمر فرصة المشاركة في السلطة إلا أن وجود القيادات المتاجرة بالمؤتمر وبدم صالح حولت كل ذلك إلى مكاسب ومغانم شخصية وبعد أن كان صالح شخصية جامعة أصبح هؤلاء مفرقين وحولوا خلافاتهم الشخصية إلى خلافات حزبية وقطيعة سياسية وزادوا من عدد المستنكفين والمفتشين عن من يأخذ بيدهم ويحتضنهم وأعتقد أن هؤلاء سيربحون كفة التغيير بعد أن تظهر قوائم المحتفيين بدم صالح في بيروت والمخاء غدا .
استشهد الزعيم صالح من أجل الجمهورية وصحح مسار الشراكة مع الحوثيين وقدم رأسه دفاعا عن الجمهورية والثوابت الوطنية وارتقى إلى مستوى الرمزية والتقديس عند الكثيرين ، والسؤال الذي يضع نفسه اليوم ويبحث عن إجابة : سلطان البركاني رئيس كتلة من ؟
وعبد الرحمن معزب رئيس كتلة من ؟
والاثنين إذا ألقوا خطابات بهذه المناسبة في المخاء غدا سيلقونها باسم من ؟
أرجو ألا يتحسسوا مني لأنني بالفعل أجهل ما يجري فقد كنت أعتقد أن البركاني ومعزب يمثلون حزب المؤتمر الذي عرفناه ليس له سوى كتلة برلمانية واحدة مثله مثل بقية الأحزاب الأخرى ولهذا فأنا أبحث عن إجابة وعن الحقيقة كما بحث عنها نبي الله إبراهيم عليه السلام ، الرحمة والمغفرة للزعيم ولعارف الزوكا .