العنوان لا يخص أحدا بذاته ولا يقلل من الاعتداء على حقوق المتميزين من أبناء الوطن ، بل يمتد إلى ما هو أخطر من ذلك ، فقد تحركنا الحديث عن تسلط الطبقة السياسية المافوية على عنق اليمن ونحرته بجشعها وشبقها للسلطة والمال وأوردته المهالك وذهبنا للحديث عن منح دراسية ، أغلبها قديمة وأغلب الأسماء التي وردت قد أنهت دراستها ، وهذا لا يعني كما قلت أنني أقلل من اغتصاب حق الآخرين ، بل أشير إلى ما هو أهم من ذلك بكثير .
فالحديث عن الفساد في وزارة التعليم العالي هو فساد أصغر وهو ابن الفساد الأكبر ، فمنحه حفيدة ياسين سعيد نعمان لا تساوي شيء مقابل استغلال جدها لسفارة الجمهورية اليمنية في لندن وتخليه عن القيام بواجبه كسفير باسم الجمهورية اليمنية ، ومنحة مصعب سلطان البركاني لا تساوي شيئا مقابل تعطيل أبوه للبرلمان وتحويله إلى مؤسسة شخصية عطل دوره في مساءلة الحكومة وصمت عن دور المنظمات المشبوه في اليمن وتخلى عن سيادة اليمن المنتهكة في احتلال جزرها وموانئها البحرية والجوية ومنح أحفاد الآنسي ليست أخطر من صمت جدهم على كل ما يجري لليمن .
إن المطالبة بتوزيع المنح الدراسية وفق الكفاءات ليس عملا ثوريا جديدا ، بل هو قوام أي عدالة ، وآليات معارضة الفساد ليست كآليات المناكفات السياسية ، هذه الزوبعة المفتعلة هي خطة متفق عليها لصرف الأنظار بعيدا عما تقوم به المافيا بكامل أعضائها من مجلس القيادة الرئاسي والحكومة وقادة الأحزاب والعلماء وأساتذة الجامعات والمثقفين والإعلاميين الذين ينتقدون الفساد الأصغر ويتحالفون مع الفساد الأكبر .
كشوفات المنح يتداولها الناشطون والإعلاميون كلا بطريقته ، منهم من يصوغ المعادلة التي تناسب هواه السياسي وهذه أقصر الطرق لتضييع الحقيقة ، حقيقة النهب المنظم للمال العام ، فأيهما أخطر هذا الفساد في المنح ، أم فساد أعضاء اللقاء التشاوري الذين ذهبوا إلى الرياض وغسلوا يد السعودية والإمارات من عبثهما في اليمن وباركوا لهما مصادرة القرار اليمني وتركوا السعودية تتحاور مع عصابة الحوثي الإرهابية بأمان واكتفوا بالراتب الشهري الذي يورد إلى حساباتهم آخر كل شهر .
أيهما أخطر حصول حفيدة ياسين وأحفاد رشاد العليمي وابن سلطان البركاني وأحفاد عبد الوهاب الآنسي وغيرهم من أبناء وأحفاد المسؤولين على بضع آلاف من الدولارات ، أم الأموال التي يتقاضاها أعضاء اللقاء التشاوري وأعضاء هيئة المصالحة وإهدار معين عبد الملك لمئات الملايين من الدولارات وبيعه لقطاعات نفطية وصمت الجميع بما فيهم رئيس مجلس النواب والنواب عن عشرات المليارات التي يزعم التحالف أنه أنفقها في اليمن وليس لها أثر ؟
إننا نصرخ منذ فترة ولا يجيبنا حتى الصدى في بلد كثرت فيه الأزمات وقلت فيه الأخلاق ، حتى القضاة استرخصوا العدالة والإعلاميين استرخصوا الكلمة فصفقوا وطبلوا للغازي والمحتل وناهبي الحقوق ويقدمون أنفسهم على أنهم قادة رأي وصناع فكر وحماة الوطن والجميع يعلم أن ثمن الكلمة التي تخرج من أفواههم هي قيمة هذا الوطن وهم ينقلون البندقية من كتف إلى آخر ويغيرون خطابهم بحسب المصلحة وفقدوا الإحساس بمعنى السيادة ، يتحدثون عن فساد المنح وهم يستلمون أموالا من دول أخرى تفوق تلك المنح عشرات المرات ، فبأي وجه حق يستلم كل من ذهب إلى مشاورات الرياض مرتبات شهرية ؟ أليست مقابل صمتهم على مصادرة حق اليمنيين في الحياة الكريمة ؟
تاريخ الفساد طويل كما قال وزير التعليم العالي ، لكن هل مهمتك هي الاستمرار فيه ، أعرف الذي سيتم بعد هذه الزوبعة ، سيقال وزير التعليم العالي وسيتحمل حزب الإصلاح المسؤولية بمفرده ، لأن قيادات هذا الحزب لديهم من الحماقة ما يكفي ليجعلهم دوما يتحملون أخطاءهم وأخطاء غيرهم ، بل ويدافعون عنها وهذا هو المطلوب لصرف النظر عن الفساد في السلك الدبلوماسي وفساد المنظمات الدولية وتواطؤ الحكومة والبرلمان على ممارسة عملها من صنعاء وصرف النظر عن تهريب الأموال إلى الخارج وسماعنا بين الحين والآخر لإيقاف السلطات المصرية لمسؤولين حكوميين وبحوزتهم ملايين الدولارات ، المنح الدراسية فساد أصغر واستلام مرتبات من السعودية والإمارات وسكوت البرلمان عن احتلال أجزاء من اليمن وعدم محاسبته للحكومة على فسادها وعدم توريد أموال النفط والضرائب والجمارك يعد فسادا أكبر .