عندما تسقط البلدان في مستنقعات الفوضى والحروب، وتغيب قيادتها عن تصدر مسؤولياتها الدستورية والقانونية في مواجهة الأخطار بشجاعة وصلابة وحكمة، وتستفرد جماعات الفوضى والتخريب بالتحكم في مصائر الأمور؛ تصيب الشعوب سكرة عن الوعي، ويصبح علية القوم وأوسطهم كأدناهم في سلبية الفاعلية، تشكو النخب إلى العامة، وتستسلم العامة إلى ظروف إذلالها وامتهان كرامتها، ويصبح الجميع منتظرين فرجاً متوهماً يأتي من الغيب دون أن يعملوا على أن يكونوا جزءا من صناعته..!
وقد كنا نقرأ بعجب عن بعض حوادث التاريخ المستنكرة مثل تسيد التتار على الأمة لدرجة أن يجد أحد جنود التتار جماعة من الناس في الشوارع أو الأسواق يأمرهم أن يقفوا مكانهم ينتظرونه لإحضار سيفه ليقتلهم به، فينتظرونه في ظل سكرة الوهن التي أصابتهم حتى يتم له ذلك!
ولا تصحو الشعوب من سكرتها إلا بحضور بطل أو ثلة أبطال لم يصبهم الوهن، ولم تلن عزائمهم للبغي، ولم تستلم قواهم للطغيان، فيذكون في نفوس الناس العزائم، ويستحثون فيهم مكامن الانتصار للكرامة وانتزاع الحقوق المسلوبة، تحمل تلك الثلة مشروع التحرر وتحمل الناس عليه، فإذا ما صحت الشعوب من السكرة، ونهضت من الغفلة، فلا راد لإرادتها، ولا سبيل أمام الطغاة لمواجهة بركانها الثائر، فتقتلع الظلم وتحاسب الظالمين، وتضع قدمها من جديد في مسار الحياة في ظل الدولة وهي أعتى وأقوى مما كانت عليه.
وما بين السكرة والثورة زمن يسير في عمر الشعوب مهما اطمئن الطغاة إلى تمكنهم فيه والاستحواذ عليه، فيصبحون مجرد ذكرى سيئة في تاريخ الشعب وذاكرة الأجيال، بعد أن تسللوا على حين غرة من الزمن قبل أن تطوى صفحتهم المخزية بساعد القوة وإنصاف العدالة.
