تفرض مسارات التاريخ، وفصول المواجهة اليمنية المستمرة مع مشروع الكهانة القادم من فارس، وجولات صراع اليمنيين مع العنصرية وفكر السلالة المتوردة، تقدم استنتاجات توفر الخبرة الكافية للجيل الحالي، إذا ما أراد نهاية ناجزة وأخيرة لمعركة الألف عام من القتل والدم والخراب .
في المقدمة من تلك الاستنتاجات، استحالة أن بشكل ذلك الفكر العنصري في أي لحظة زمنية، عاملاً للاستقرار، أو جزء من تحقيق رؤية في حدها الأدنى لإقامة دولة، وبناء مجتمع قادر على الإنجاز والنهوض الحضاري، وهو ما عكسه عجز دول الكهانة الإمامية عن صناعة تجربة لدولة في حدها الأدنى، أو ترك أي أثر علمي أو مادي، غير أضرحة كهنته، ومقابر ضحاياه، ومؤلفات التفاخر بجرائمه .
كما تقدم القراءة التاريخية المتجردة، دليلاً واضحاً على أن هذا المشروع، نظرياً وعملياً، لم يكن في أي منعطف تاريخي، ساعيا لصلاح المجموع، أو راغبا في تحفيز عادة اليمن إلى موقعها الحضاري، بل تعمدت الكهانة الإمامية في كل مراحل سيطرتها، الوصول إلى السلطة على حساب تخلف اليمنيين واقتتالهم، وتدمير مجتمعهم، ونقلهم من ثقافة الإنتاج إلى مجرد أدوات رخيصة لتكريس أهداف السلالة كغزو خارجي قبيح .
في مسار آخر من تلك المواجهة، تثبت كتب السلالة نفسها، الرؤية الاستعلائية التي سيطرت على علاقة مشروع الكهانة الإمامية باليمن، الأرض والإنسان، والاستعداء المبني على الكراهية والغيرة، ما أنتج سلوكيات ممنهجة ومتوارثة، جعلت من تاريخ اليمنيين وهويتهم وبعدهم الحضاري، في مرمى الاستهداف السلالي، فسالت دماء اليمنيين، وفرضت عليه خرافاتهم، وأحرقت مكتباتهم، وأبيدت قراهم وآثارهم، وسجلت تلك الكتابات جرائم إرهابية غير مسبوقة، لا يمكن تفسيرها إلا برغبة الانتقام، وإرادة المشروع الإمامي في تحويل اليمنيين إلى مجرد عبيد مهمتهم خدمته، والموت في سبيله، دون حقوق ووجود .
لقد شكلت محاولات اليمنيين في مراحل مختلفة من ذلك الصراع، وفي لحظات التراجع الإمامي، للتعامل مع هذا المشروع بأخلاق العفو والتسامح، وبطيبة اليمني المضياف، فرصاً أمام فكر الإمامة للاشتغال على الهدم من الداخل، والاستعداد للعودة والتسلط، ولم تنجح تجارب الدول اليمنية ورغبتها في استيعاب الغزاة الوافدين، وإقناعهم بالانصهار في المجموع والهوية اليمنية، فظلوا وباءً ينخر في بنية المجتمع، ويستعد للانقضاض من جديد، وكان آخر تلك الأخطاء ما وقع فيه ثوار 26 سبتمبر فيما سمي بالمصالحة، فلم تلبث بعدها الإمامة الكهنوتية أن عملت، في غفلة جمعية رسمية وشعبية، على استعادة مشروعها بعد عقود قليلة .
مشروع الكهانة الإمامية العنصري في اليمن، ومن منطلق فكري وتكويني وضعه يحيى الرسي الطباطبي، قامت أسسه على رؤية تقزيمية للشخصية اليمنية، واعتبار اليمني فاقدا للأهلية في السلطة وحكم نفسه، ويفسر ذلك جهود الكهانة في طمس هوية اليمني وتدمير حضارته، وإشغاله بحروبه ضد بعضهم، عن عودته لذاته الحضارية اليمنية .
هذه الاستنتاجات البديهية لسلوك الكهانة الإمامية في اليمن، يجب أن تكون العامل المسيطر على الموقف الشعبي والرسمي، في مواجهة العودة الحالية لهذا المشروع، فالصراع معه لم تكن خلال أكثر من ألف عام، وفي تجلياتها الحالية، صراعا سياسيا، بل صراع هوية دخيلة مع هوية أمة، ومقاومة شعبية لمشروع لم يقدم نفسه في أي لحظة تاريخية مشروع إصلاح وتقدم ونهوض، بل استعمار عنصري هدفه حكم اليمن وإذلال اليمنيين، ولا يملك فكريا وتكوينيا أدنى احتمال لإمكانية الإصلاح، أو التحول لرؤية تشاركية، أو الخروج من طبيعته كمشروع استعماري وافد، لم يتغير فكراً وسلوكا منذ أول يوم حل فيه كوباء متواصل، يحاول الكاهن الجديد اليوم استنساخه دون مواربة، كصورة قاتمة لتاريخ الكهنة وجرائمهم .
كل ذلك يضع الجميع أمام حقيقة كلية، وتجربة بالغة الوضوح، خلاصتها: لاستعادة بلادنا وتحقيق السلام المنشود، شرطه الأهم وطريقه الوحيد تجريم مشروع الكهانة الإمامية السلالية، وإدراك لا يقبل النقاش أن سبب البلاء، وعلة ألف عام من الدمار والاقتتال، وما نعيشه حاضرا، وتراجع اليمن عن دورها وإسهامها الحضاري، هو بقاء فكر السلالة، والتراخي الفكري والمجتمعي في إنهاء الصراع معه، واستمرار التعامل برخاوة مع واجب القضاء عليه .
وعليه : فبوابة انتصارنا على مشروع الكهانة الإمامية العنصرية في نسختها الحالية، مبتدؤه التبني الكامل من الجميع وبالأخص النخب السياسية والعسكرية والثقافية والفكرية، لرؤية تجريمية لهذا المشروع، ومعرفة عميقة لجذور صراعنا التاريخي معه، والتي يستحيل معها التسويق لإمكانية الشراكة معه، أو التبشير الانتهازي باعتباره واقعا، بمبررات قوته المزعومة، أو ضعف صفوف مناوئيه، فالواقع أنه حتى لو سيطر على كل اليمن فليس بإمكانه لطبيعة بنية مشروعه، تحقيق الاستقرار، أو إقناع اليمنيين بالقبول بحكمه، مهما كانت المبررات والتضحيات .
كما أن هذه المعطيات التاريخية والواقعية، تجعل من ترويج السلام مع مشروع وظيفته القتل، وفكرته العنصرية والإقصاء، ودينه الحكم بالأحقية الإلهية والاستعباد الشعبي، هي دعوات كارثية، تنفصل عن القراءة الواعية للتاريخ، وتتعمد القفز على حقيقة الإرهاب الحوثي، ورغبة في الاستفادة من فرص التموضع في مساحات الحياد الآثم، بلا رؤية واقعية أو استشراف لمستقبل يتحكم فيه الإرهاب والعنصرية، وتستمر فيه الكهانة الإمامية في التدمير والتجريف والانتقام .
إن المعادلة اليوم التي يجب أن تحدد اقتراب أو ابتعاد أي يمني، مهما كان موقعه، من القضية والمشروع الوطني، هي موقفه من مشروع الكهانة الإمامية، والحسم الواضح لرؤية الإنقاذ الوطني، التي تبدأ إجباريا من رفض إمكانية التساهل معه، كخطوة وجوبية لازمة في طريق الاستعادة، للوصول إلى هدف الدولة اليمنية الحاضنة للجميع، وهو الهدف الكبير الذي يحمله حراك الأقيال، كفكر مستوعب لتلك الحقائق، وحامل واع ومتطور لبعث الذات، وتكريس خصائص الشخصية اليمنية العربية والإسلامية، وتحقيق أهداف الثورة اليمنية في مواطنة متساوية، ونظام جمهوري وطني حديث وعادل .