بعد فترة من الجمود شهدتها العلاقات اليمنية التركية على مدى أربع سنوات تقريباً، زار يومي الأربعاء والخميس الماضيين وزير الخارجية والمغتربين اليمني الدكتور أحمد عوض بن مبارك، أنقرة، وعقد لقاءين مهمين؛ الأول مع نظيره التركي مولود تشاووش أوغلو، والثاني مع وزير الداخلية سليمان صويلو .
وتجدر الإشارة هنا إلى تطورين مهمين على صعيد التواصل بين البلدين، الأول تمثل في تعيين القيادي الأمني السابق محمد صالح طريق سفيراً فوق العادة ومفوضاً للجمهورية اليمنية لدى تركيا، بعد أن بقيت السفارة اليمنية ضمن تمثيل منخفض قياساً بحرص تركياً على تعيين سفراء متتالين لها لدى اليمن، رغم أن السفير الحالي والذي قبله أديا مهمتهما من الرياض .
أما التطور الثاني والأهم فيتمثل في اللقاء الذي عقده رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي والرئيس رجب طيب أردوغان في 19 أيلول/ سبتمبر الماضي، على هامش مشاركتهما في الاجتماعات السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة .
زيارة وزير الخارجية والمغتربين اليمني الدكتور أحمد بن مبارك، رغم أهميتها إلا أنها تأتي ضمن أجندة مرتبطة بالحاجة إلى توضيح التطورات السياسية الأخيرة الناجمة عن انتقال السلطة إلى مجلس رئاسي، وإزالة اللبس الذي يعاني منه فهم المجتمع الدولي لطبيعة الأزمة والحرب ومسؤولية الأطراف الداخلية والخارجية المنخرطة فيها .
وهنا كان الوزير بن مبارك، كما يعمل في البلدان الأخرى التي زارها وسيزورها، معنياً أكثر بتبرئة ساحة السعودية على وجه الخصوص، من المسؤولية عن تفاقم الوضع المأساوي بسبب السردية التي تتبناها قوى وجماعات ضغط ووسائل إعلام إقليمية ودولية، تجاه ما يجري، وتتعمد عبر هذه السردية تبرئة ساحة جماعة الحوثي المدعومة من إيران التي تسببت بالفعل في منع تصدير النفط من جنوب البلاد، فيما كانت عائداته تغطي جانباً مهماً من النفقات التشغيلية، وجزءاً من فاتورة الاستيراد المتصلة بالحاجات الأساسية للشعب اليمني .
لم يواجه الوزير اليمني بن مبارك صعوبة لدى المسؤولين الأتراك في استيعاب الأولويات التي جاء من أجلها إلى أنقرة، إذا كان الأمر يتعلق بتوضيح حقيقة ما يجري في اليمن، لأن لدى تركيا كدولة راعية لاتفاق المبادرة الخليجية خلفية كاملة عما يجري، وعلاقاتها مع المملكة العربية السعودية والإمارات شهدت تغيراً إيجابيا جوهرياً .
واللافت في زيارة الوزير بن مبارك أنه ربما تفاجأ بالمكانة العزيزة الذي يحظى بها اليمن لدى المسؤولين الأتراك، لأنهم يؤمنون بأن ثمة أساسا تاريخيا وسجلا حافلا بالذكريات الملهمة والأحداث الممزوجة بالمشاعر والهموم المشتركة والدم؛ يتصل بأربعة قرون تقريباً من الانخراط تحت مظلة الخلافة العثمانية .
أقول ذلك لأن المسؤولين التركيين أخليا تقريباً مسؤولية بلدهما عن التحديات يمنية المنشأ؛ التي واجهت خلال الفترة الماضية الوكالات التركية المعنية بالتعاون الثنائي والإغاثي والإنساني العاملة في العاصمة السياسية المؤقتة عدن، مضافٌ إليها صعوبات متعلقة بعدم قدرة موظفي هذه الوكالات على التحرك في الجغرافيا اليمنية من أجل تقديم العون الإنساني والإغاثي للشعب اليمني .
لقد غلبت الاهتمامات الموضوعية المرتبطة بالتطورات المستجدة على خطاب وزير الخارجية الدكتور أحمد عوض بن مبارك، في مقابل الكم الهائل من المشاعر الطيبة من جانب الوزيرين أوغلو وصويلو تجاه اليمن، إلى الحد الذي تفاجأ معه الضيف من كم الفرص المهدرة التي كانت تركيا قد أتاحتها للشعب اليمني على الصعيد الإنساني والإغاثي والصحي والتنموي، وعلى مستوى التعاون الفني وحتى الأمني طيلة السنوات الماضية، وجرفتها موجة الاستقطابات الإقليمية المدفوعة بأجندة غربية متوجسة من تركيا ودورها المتصاعد على المسرح الدولي .
ومع ذلك لن أبالغ إذا قلت إن الوزير بن مبارك من بين معظم مسؤولي الشرعية، يبدو أكثر تعبيراً عن مصالح الجمهورية اليمنية وشعبها الذي يتواجد مئات الآلاف منه في بلدان الشتات، بما في ذلك الوجود النوعي للآلاف من اليمنيين في تركيا .
لهذا ربما ينعكس حماس المسؤولين الأتراك وحرصهم على التعاون مع الجمهورية اليمنية، على تحريك ملفات التعاون الجامدة منذ سنوات، وهذا ما نتوقعه من وزير الخارجية والمغتربين، فذلك يقع في صلب اهتماماته ومسؤولياته .
لقد دفع اليمن فواتير باهظة طيلة السنوات الثماني من زمن الحرب، وبعض هذه الكلف نتجت عن انقطاع أواصر التعاون مع بلدان شقيقة مثل تركيا، التي دفعها الحرص على مساعدة اليمنيين المنكوبين إلى بذل ما بوسعها، فواجهت في سبيل ذلك صعوبات وعراقيل واستفزازات لا حصر لها، وهذا بالتحديد ما عانت منه الكوادر الإغاثية التركية، والتي وصل الاستفزاز معها حد الاستهداف الجسدي .
ليس لدي أدنى شك في أن زيادة وتيرة الزيارات واللقاءات عالية المستوى بين اليمن وتركيا وبين اليمن وبقية البلدان في عالمنا العربي والإسلامي والدولي؛ ستنعكس إيجاباً على فرص اليمن في الحصول على دعم متعدد الأطراف تحتاجه في ظل تفاقم أزمتها المعيشية واقتراب اقتصادها من الانهيار، لا سمح الله .
لكنني على يقين أيضاً بأن ما يحدث إنما يعبر أكثر عن استعادة العلاقات التركية السعودية والإماراتية لعافيتها، مما سمح بهذا الهامش من حرية التواصل بين اليمن وتركيا .