يحلوا للبعض أن يطلق على عدن, قرية الصيادين, وآخرين يصفونها بمدينة المساكين, والحقيقة التي لا يختلف عنها المؤرخون أنها مدينة استوعبت كل الأطياف والأعراق والثقافات, ووفرت لهم البيئة المثلى للتعايش والتسامح التي جعلتهم متساوون في الحقوق والواجبات, وبذلك صنعت حضارة, وكانت مدينة حضرية, ومركز تجاري واقتصادي هام على طريق التجارة العالمي , استوعبت كل باحث عن عمل ورزق , وكل باحث عن علم وثقافة, وباحث عن مدنية وحضارة, دمجتهم في نسيجها الاجتماعي المتميز بفسيفساء طيف جميل, شذبت سلوكياتهم وهذبت ثقافاتهم, وزرعت فيهم الانضباط , والاحتكام للنظام والقانون .
مدينة يشار لها بالبنان، قدمت نموذج جذب كل حالم ومتطلع للحضارة، وهي فعلا قلب الحضارة الإنسانية في الجزيرة، رائدة في تأثيرها الفكري والثقافي والفني، والسياسي والاقتصادي، كبيرة عندما كانوا صغارا، ربتهم وتنكروا لها.
أزعجني تقرير تحدث عن ثقافة الكراهية والعنصرية التي تعيشها عدن اليوم, وكان صادقا فيما تعرضت له عدن, ولكنه انزلق في منزلق تزوير إرث وتاريخ عدن , واعتمد على فترة حكم النظام الشمولي, الذي استأثر بعدن, وجرفها من كل مقوماتها, وصاغ التاريخ بمزاجه المتطرف, بعد أن طرد وشرد كوادر مؤهلة, وأي سياسي معارض للتوجه السياسي والأيدولوجي, وذهب متعمدا ليصنع له مجدا على حساب عدن تاريخها وإرثها, من خلال تزوير دور عدن الوطني, وحركة التنوير الذي قادها المفكر العدني محمد علي لقمان, وأخطر ما ذهب إليه هو اتهام الجمعية العدنية بالعنصرية, وتشويش من دورها, مع أن العنصرية بدأت تتشكل بوادرها في فترة صراعات الحكم الشمولي, وتنامت مع تنامي تلك الصراعات.
ما قيل عن عنصرية الجمعية العدنية , وشعارها (عدن للعدنيين), واستهدافها لأبناء المحميات وشمال الوطن, وهو السم الذي يتجرعه اليوم أنصاف المثقفين من كتب ومقالات اشتغلت في تزوير تاريخ وارث عدن الثقافي والسياسي, يبطله عقل مثقف حصيف, قارئ جيد لما بين السطور , عندما يراجع تاريخ وأهداف وأسماء الشخصيات وفكرهم سيكتشف حجم التزوير والتغرير .
تأسست الجمعية العدنية في 23 يونيو 1949م انتخبت الجمعية العمومية التأسيسية قيادة الجمعية العدنية على النحو الآتي:
1 – حسن علي بيومي – رئيسا
2 – أحمد محمد خليل – نائبا للرئيس
3 – محمد علي لقمان – الأمين العام
4 – محمد أحمد شعلان – عضوا
5- الأمير فضل عبدالقوي – عضوا
6 – صالح علي لقمان – عضوا
7 – محمد حسن خليفة – عضوا
8 – عبده حسين الأهدل – عضوا
9 – محمد عبدالله عرجي – عضوا
10 – محمد علي الأسودي – عضوا
11- احمد عبدة ناشر العريقي عضوا
كأول تنظيم سياسي تكون من نسيج عدن المتنوع وجميعهم ينتمون للهوية اليمنية من الجنوب والشمال , كانت مطالبهم إيقاف التغيرات الديمغرافية التي يحدثها المستعمر , من خلال جلب أدواته وموظفيه من الجاليات الأخرى الغير عربية , ويقدم لهم امتيازات خاصة, وجعل اللغة الإنجليزية هي لغة الولاية , وقراراته المجحفة بحق أبناء عدن من العرب والمحميات وشمال الوطن, وتضييق الخناق عليهم في الانتخابات وحقوق المواطنة وحق التعليم والصحة , كان العربي اليمني والشمالي والجنوبي يفتقد للحق , وكانت الجمعية تعبر عن تلك الحقوق, بل تطالب بها, على اعتبار أنهم أصحاب الأرض والحق , وهم عدنيون حسب المولد والإقامة الدائمة .
البحث والمراجعة في تركيبة الجمعية العدنية, وأعضاء المجلس العمالي, ودور رائد التنوير العدني محمد علي لقمان, وصحيفة فتاة الجزيرة كمنبر ثوري هز أركان الإمامة والسلاطين والمستعمر, ودورهما في دعم ثورة 48 م ثورتي 26 سبتمبر وأكتوبر, ودعم أعضاء الجمعية بما فيهم لقمان للمناضلين القادمين من شمال الوطن, كالنعمان والزبيري, لا يمكن أن يصدق هذه الكذبة الغبية إن الجمعية العدنية كانت عنصرية .
الجمعية العدنية أطلقت مطلب الحقوق السياسية والوظيفية لأبناء عدن , والتي لازالت عدن تطالب بها ليومنا هذا, ولا زالت نفس العقلية التي تتهم المطالبين بها بالعنصرية, وهي تحاول أن تجريدهم من هويتهم العدنية, حسب المولد والإقامة الدائمة, والانتماء والسكن الدائم, وتطلق عليهم عرب 48 بعنصرية بغيضة, وتبحث في جذور أجدادهم, وتصادر حقوقهم بالمواطنة, واليوم بكل بجاحة تمنع عليهم صرف بطاقة الهوية اليمنية, في مفارقة عجيبة يتنكرون فيها من الهوية اليمنية التي يمنعون صرف هويتها لمستحقيها, ويصرفونها لهم , في عقلية لا يمكن استيعاب تركيبتها الفكرية ومنطقها الأعوج أو الأعرج.
ولله في خلقه شؤون،،،
* يمن مونيتور