لا أحد يمكن له أن يقلل من أهمية الدور الذي تؤديه سلطنة عُمان في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ الحرب التي فجرها منذ سنوات أكثر من طرف داخلي وخارجي ضد الشعب اليمني، وبعض دوافعها كان عبثياً ويتفق مع فائض الحقد الطائفي عند إيران وتوابعها في المنطقة، وفائض المال العائد من بيع "الوحل الثمين" (النفط) عند جيراننا في شبه الجزيرة العربية والخليج .
وما يحز في النفس أن جهود الوساطة العُمانية المخلصة والمنحازة للشعب اليمني تُهدر أو تستنزف في هذه الأثناء، من أجل إغلاق أحدث فصول الحرب الظالمة على الشعب اليمني، والتي فجرها قبل ثمانية أعوام الحوثيون بإسناد كامل من الأطراف الإقليمية التي تحولت منذ آذار/ مارس 2015 إلى طرف في الحرب، لكن في الجهة المقابلة للانقلابيين، بل والذهاب إلى إنشاء أطراف جديدة في هذه الحرب وتسليحها لتُحدث الأثر المدمّر نفسه في بنيان الدولة اليمنية وسلامة كيانها، مما يجعل هذا العبث برمته محصلة لمخطط سيئ وشديد العدوانية ينفذه منتجو "الوحل الثمين ".
يغرق الوفد العماني إذاً في قضية وقف استهداف المنشآت النفطية، وبالأخص موانئ التصدير والناقلات النفطية الأجنبية التي ترسو في تلك الموانئ الواقعة جنوب اليمن، أي في المنطقة الخالصة للهيمنة التي يمارسها التحالف بشكل مباشر، لكنه يدعها لقدرها عندما توجه إيران طائراتها المفخخة المسيّرة من سفنها المتواجدة في بحر العرب، أو من منصات أرضية وُضعت بين يدي الجماعة الحوثية في العمق اليمني. وفي المحصلة تبدو الهجمات تعبيراً عن النفوذ الحربي لهذه الجماعة التي تآمر كل السيّئين من أجل تمكينها .
وفي الوقت الذي يتطلع فيه اليمنيون لنهاية سريعة للحرب؛ تتأسس على قواعد عادلة وضامنة لاستدامة هذا السلام، لا نرى المفاوضات الجارية حالياً إلا جهداً يكاد يغرق في قضية؛ على أهميتها فإنها تبقى فرعية، وهي وقف استهداف المنشآت النفطية. ومع ذلك يستغلها الحوثيون جيداً لاعتقادهم بأنها تقربهم من هدفهم وهو التملص من استحقاقات السلام الأساسية، وإغراق الأطراف في ادعاءات الوضع الإنساني، رغم أن الحوثيين يمثلون أكثر أطراف الحرب إلحاقاً للأذى بالإنسان اليمني والتسبب في الكارثة الإنسانية التي تتعمق بصورة خطيرة نتيجة وقف تصدير النفط، بما يوفره من عائدات نقدية لتغطية الواردات من السلع الأساسية التي يذهب معظمها لمناطق سيطرة الحوثيين ويكسبون بسببها ملايين الدولارات من الرسوم الجمركية والضريبية، في حين تتحمل السلطة الشرعية المسؤولية عن إنفاق ما بحوزتها من العوائد النقدية لضمان تدفق الواردات الأساسية .
ومن المؤسف أن المجتمع الدولي لا يزال يواصل الاستماع لأكاذيب الحوثيين حول عائدات النفط، حينما يبالغ في الادعاء بأن هذه العائدات إنما تذهب إلى جيوب مسؤولي الشرعية، رغم أن المجتمع الدولي اليوم يدرك خطورة ما يقوم به الحوثيون، ولهذا طلب من سلطنة عمان تفعيل دورها ودبلوماسيتها لوقف استهداف المنشآت النفطية في مقابل ثمن يُخصم حتماً من رصيد الشرعية .
أُدرك ومعي الكثيرون بكل يقين أن الشعب اليمني يتعرض لحرب من نوع فريد، فهي تشمل فيما تشمل إهانة هذا الشعب واستغفاله واستغلاله والإساءة لمكانته التاريخية وللمكانة الجيوسياسية لبلده، بدليل أنه خلال الحرب جرى ترتيب انقلاب مكتمل الأركان على سلطته الشرعية وإخراجها من عدن .
وإثر هذا الانقلاب الجديد جرى إدخال الطرف المكلف بالانقلاب، وهو المجلس الانتقالي الجنوبي، في مسار تفاوضي عبثي سمي "اتفاق الرياض"، والذي حوّل الانفصال إلى مؤسسة موازية في جسم الدولة اليمنية، تخصم من قدرتها على مواجهة الانقلاب الأول والأخطر والمحكوم بدوافع سلالية وطائفية، والذي نفذه الحوثيون في 21 أيلول/ سبتمبر 2014 في صنعاء بإسناد من علي عبد الله صالح وحزبه وشبكة ولاءاته العسكرية والمدنية، وبتواطؤ وخيانة من الرئيس المعزول عبد ربه منصور هادي .
إن أبعد ما يريد المجتمع الدولي بقيادة واشنطن والرئيس جو بايدن؛ تحقيقه في اليمن، هو إنهاء الحرب ولو عبر هدنة أو وقف دائم لإطلاق النار؛ ليس من المستبعد أن تنتج وضعاً مشابها لما تشهده شبه الجزيرة الكورية منذ خمسينيات القرن المنصرم .
أقول ذلك لأن الواقع الذي تكرس في اليمن بعد سبع سنوات من الحرب يعج بالتعقيدات التي لا يمكن حلحلتها إلا بحرب تُحسم لصالح الدولة اليمنية التي يتفق عليها معظم اليمنيين، وليس البقاء في الدائرة المفرغة من المفاوضات الهادفة إلى تمكين الميليشيات من قيادة يمن هش ومُجزَّأ ومُهيمنٍ عليه .
* عربي 21