;
فضل الكهالي
فضل الكهالي

تسويات الشّؤم 1985

2023-01-26 01:12:47

للحرب اليمنية وجهان مرتبطا بعضهما ببعض ارتباطاً وثيقا؛ الوجه الأول خاصّ باليمن ومحصور داخل حدوده، أما الوجه الآخر فممتد إلى أنحاء الجزيرة العربية بحكم الترابط الجغرافي والتقارب الكبير بين أبنائها، والذي يصل إلى مرتبة التلاحم والتكامل في أمور كثيرة، لا يتسع المجال لحصرها، وفي الوقت نفسه لا تخلو حياة أبنائها من الصّراعات، سواء على مستوى البلد الواحد، أو على مستوى المنطقة ككل. وفي حال وجدت تدخّلات دولية للحل، فإن بعضها يتسم بصدق النوايا؛ بينما لا يخلو بعضها من مظاهر الاستغلال السياسي.

لعلّ أغرب تسوية في التاريخ هي تلك التي يراد لها أن تتمّ في اليمن، والتي يراد من خلالها أن يتم تسليم البلاد لمليشيات سلالية وطائفية متعصبة. والأنكى من كل ذلك هو توقيت فرض هذه التسويات، التي لم يتم التعجيل بها إلا في ظلّ عدم وجود ضمانات تكفل استمرار النظام الإيراني، الذي كان يُعَدّ حجر الأساس في هذه اللعبة.

قد يكون هذا هو السّبب في الزج بالأمين العامّ للأمم المتحدة لفرض هكذا تسوية، والعمل على التسويق لها من خلال إخضاع أنظمة ودول المنطقة للمخطط الكارثي الذي يستهدفها دون شك في المراحل القادمة، ويضع الثروة والمُقدّسات والرّموز الدينية في الجزيرة العربية نصب أعين التيارات الشيعية، ولن يقتصر ذلك على اليمن وحدها.

المُعطيات الحالية تؤكد لنا أن اليمن هو المدخل الأكثر ملاءمة لتفكيك المملكة، لا سيما في ظلّ التحول الديني السريع من الزيدية الى الإثنا عشرية الجعفرية، أسوة بإيران. ولعلّ هذا هو المخطط الذي كانت تتمناه أمريكا وبريطانيا وتسعيان إليه منذ بداية الحرب.. فإقامة دول شيعية موالية لإيران في الجنوب والشّرق حُلم دولي يحظى برعاية اللوبي الصهيوني في أمريكا وبريطانيا، ومن خلاله سيتمّ تطويق المملكة العربية السعودية، الغنية، بكماشة شيعية تخالف توجّهها الديني وتوجه الأغلبية السنية ككل. لكن الأكثر غرابة لهذا التحول هو دعم دول المنطقة والخليج لنبذ الإخوان أكثر من أي وقت مضى بالرغم من أنهم يُعدّون الجدران المسندة وخط دفاع لا يستهان به عن اليمن والمنطقة السّنية في الوقت الراهن.

لقد كشفت هذه الحرب أن بعض الأنظمة الخليجية تُفضّل وجود مملكة هاشمية في اليمن على حساب النظام الجمهوري. وبالتالي فإنها تفضل جماعة الحوثي على التيار السياسي اليمني الذي تعتبره امتداداً لفكر جماعة "الإخوان المسلمين"، وهذا ما جعل مجلس الأمن يضاعف حظوظ الجماعة في البقاء أكثر من أي وقت مضى، بالرغم من أن مؤشّرات انهيار النظام الإيراني هي التي دفعت المجتمع الدولي إلى تأمين وضع الجماعة باعتبارها ورقة الضغط والأداة التي ستحصل من ورائها على مختلف التنازلات من دول الخليج.

حتى في حال ‏توصّل التحالف إلى اتفاق شامل مع من يطلقون على أنفسهم "أنصار الله" وحصلوا عل ضمانات على هيئة تنازلات، فإن ذلك لا يحقق للمنطقة الاستقرار، حتى وإن وجدت معاهدات تحث على ذلك، لأنّ الورقة الدينية هي الفيصل، وحصول الجماعة على الرّضا المطلوب من بعض الدول الغربية كافٍ لتلقيها كافة أنواع الحماية والدّعم. وهذا هو السّبب الذي جعل جماعة الحوثي، التي جاءت بها التحالفات الدولية في مأمن، في حين يقف العالم الذي يريد أن يُلحق الهزيمة بالإسلام السنّي العنيد من خلال الإسلام الشّيعي متفرجاً على ما سيحدث ومُشكّلاً ورقة ضغط.

بإحرازها تسوية تمكنها من السيطرة على اليمن فإن جماعة الحوثي ستكون قد أحرزت مشروعية لم تكن تحلم بها ونجحت في استخدام المعطيات والمُتغيّرات في العبث بمفاهيم الانتصار لقضايا الوطن.. فمن كان يتوقع أن يأتي اليوم الذي يستطيع فيه الداعون إلى عودة الإمامة الترويج لخبر الانتصار على ما تطلق عليه الجماعة "المؤامرة الكونية" عليها. وأن تشرع في تأسيس "مشروعية بقائها"، وفي ظل إشراف ومباركة دوليَيْن.

لقد أراد مجلس الأمن حربا مسرحية تُقنع البسطاء في الداخل اليمني بأنه ومعه الأمم المتحدة في صفّ اليمن الواحد، ولكنه في الوقت نفسه لا يمانع أن تبقى جماعة الحوثي مسيطرة على المناطق ذات الكثافة السكانية الأكبر في الشّمال، ويدركون تماماً أن استقرار جماعة الحوثي سيشكل تهديداً حقيقياً للمملكة السعودية، وهذا ما تريده مراكز القوى العالمية.

ومن الملاحظ أن أمريكا لم تسْعَ إلى منع المشاعر المعادية لها، بقدر ما ساعدت سياساتها في تحويل الساحة السياسية اليمنية إلى حلبة صراعات دينية، بُغية خلق تمايز اجتماعي طبقي أكثر منه عمل سياسي جديد أكثر اختلافاً في اليمن، في تكرار لما جرى في العراق، وما التوسّع في العملية أكثر إلا لإحداث شرخٍ في المنطقة بأسرها.

إن يمننا الكبير أصبح مسرحا لكافة النظريات الإيديولوجية التي كانت في جعبة الإدارة الأمريكية بخصوص الشرق الأوسط الجديد، ووجدت فيه ضالّتها بحكم أنه الأنسب لتقسيم دول المنطقة، بعد أن تحول إلى ملعب لسلسلة من حروب النفوذ المستنزفة والمعارك السّياسية بين القوى المختلفة وصانعي السياسات. وقد أثبتت الفوضى في اليمن أنها أصعب بكثير وتسير عكس اتجاهها.

إذا كانت خشية المملكة من غياب الأمان غير بعيدة عن السطح، فإن جماعة الحوثي كانت سبباً في ذلك، إذ أنه في الوقت الذي كانت أخبار الحرب اليمنية تغطي بصورة مؤقتة جميع مواقع وقنوات الأخبار، كانت جماعة الحوثي قد أصابت موضعاً حسّاساً عندما توعّدت المملكة بأن لديها نظاماً قوياً للردع الصاروخي، وهو فقط الكفيل بحمايتهم ضدّ أي تدخل عسكري جديد، ولم يعُد مستغرباً كيف مرّت تلك التهديدات.

لقد تجادل أبناء الجزيرة العربية كثيرا ليعرفوا ما إذا كان تحجيم وجود المليشيات الشيعية مهمّا، لكنهم عما قريب سيدركون أنه الأهم، وأن إعادة السجال في الأمر غير مُجدٍ، والأحرى بهم معالجة نتائجه على الحياة الإنسانية لدول المنطقة بعد أن فَقَدَ الأفراد والجماعات أشياء جوهرية، على رأسها البعد البطولي في حياة الفرد قبل الجماعة، والذي بفقدانه خسر الأشخاص المعنى المثالي لقيمتهم الحقيقية.

فمن السّهل جدا تدميرُ نظام اجتماعي أو سياسي قديم ولكن من الصعب إعادة تركيبه، وما يحصل في اليمن هو تدمير مُمنهَج لنظام اجتماعي وسياسي قائم ومحاولة إعادة تركيبه من جديد، بيد أنه في ظل ارتفاع المراهنات، وتزايد حدّة العنف، يتجه الناس إلى الهاوية، نظراً إلى تجاوز الكلفة حجم المنفعة. ومن خلال النظر إلى التاريخ نكتشف أن هذا غير ممكن، ولا يُمكّننا من الخروج بتصور حقيقي بعد كل هذه الفوضى عن الوضع السياسي الجديد، ولكنه يؤكد لنا أن ذلك سيُحدث فرقا في المنطقة.

يمكننا الجزم بأن القوى النافذة التي عاثت في اليمن والمنطقة فساداً لم تفعل ذلك بذكائها، بل بفعل الضغوط التي أعقبتها تنازلات قدّمها البعض، والهدف من ذلك تحويل الجزيرة العربية إلى سجن كبير لا يهدف إلى إصلاح سلوك المجتمعات فيها، بل إلى إتلافه وتدمير الأنظمة الموجودة فيه وتمزيق نسيجها الاجتماعي، من خلال تقوية شوكة التكتلات الشيعية، وهذا أحد أسباب خيبات الأمل الكثيرة التي تعيشها منطقتنا غير المعزولة عن الغوغائية التي تستهدفها. وقد تكون هذه هي نتيجة التقلبات اللامنطقية على الساحة السياسية اليمنية والخليجية بل والعربية.

* نقلاً عن موقع المصدر أونلاين

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد