قوات درع الوطن التي صدر بتأسيسها قرار رئيس مجلس القيادة الدكتور رشاد العليمي الأحد التاسع والعشرين من يناير كانون الثاني 2023، تمثل فاصلاً مهماً في مسيرة الحرب اليمنية التي يكتنفها الغموض وتغلب عليها الاضطرابات والمفاجآت لكن، ويا للمفارقة ضمن مسار واضح ، يهدف إلى التحكم الكلي بالحرب ونتائجها الجيوسياسية وفقاً للأولويات السعودية.
ومن المهم أن ندرك بأن ظهور هذه القوات وبهذا المسمى في مسرح العمليات العسكري، يرسل إشارات واضحة بشأن رغبة السعودية، على ما يبدو، في تحرير تدخلها العسكري في اليمن من الرهانات الإقليمية ومن الشراكة العسكرية والأمنية الإشكالية مع الإمارات التي كانت قد انسحبت رسمياً في خريف 2019 من اليمن، لكنها عززت تدخلها عبر الأدوات العسكرية المحلية وعبر اتفاقية عسكرية وأمنية أُمليت على الحكومة الشرعية، لتغطي على تدخلها المفتوح في الساحة اليمنية، تدخلاً يتوسل مكافحة الإرهاب، لكن هدفه الأساسي هو مواجهة القوى السياسية والعسكرية الوطنية وتقويض الأسس الوطنية والأخلاقية للمعركة المتواصلة مع قوى الانقلاب المدعومة من إيران.
لقد نجحت الإمارات في إفساد القيادات المؤثرة للوحدات العسكرية السلفية التي توزعت بين ألوية الإسناد والمغاوير وعدد لا بأس به من ألوية العمالقة والنخب الحضرمية والشبوانية وهذه الأخيرة تحولت إلى قوات دفاع شبوة بعد هزيمتها المنكرة على يد الجيش الوطني ومحافظ شبوة السابق محمد بن عديو.
أبو ظبي أفسدت أخلاقياً السياسيين المحسوبين على التيار السلفي وعلى رأسهم هاني بن بريك، وتتنازع مع الرياض حتى الآن السيطرة على القيادي السلفي عبد الرحمن المحرمي عضو مجلس القيادة الرئاسي وقائد قوات العمالقة، الذي كانت الإمارات قد استفردت به لفترة طويلة، ومع ذلك يمكننا أن نخمن بأن عودة الرجل إلى عدن رفقة رئيس مجلس القيادة عشية صدور قرار تأسيس قوات درع الوطن، تشير هي الأخرى إلى أن قوات العمالقة ليست ببعيدة عن قبضة المملكة، لكن ثمة مخاوف من العناصر المنخرطة في هذه القوات والتي تتبنى موقفاً صريحا داعماً للمجلس الانتقالي الانفصالي والمحسوبية على هذه القوات بسبب برنامج الإفساد الإماراتي لقياداتها مادياً وأخلاقياً.
تأسيس قوات درع الوطن، يعود عملياً إلى الفترة التي تشكل فيها مجلس القيادة الرئاسي، وكانت تحمل مسمى" قوات العمالقة الجديدة" أي ان قوام هذه القوات تم جلبه من قوات العمالقة السلفية ذات المرجعية العقائدية والأمنية والعسكرية الحصرية للسعودية.
والأمر في تقديري مرتبط بحاجة السعودية إلى تقوية المركز السلطوي للرئيس الأعزل في عدن، عبر تعزيزه بقوات عسكرية مدججة بالسلاح وبالإمكانيات وبوسعها أن تُحدث فارقاً في تحديد مساحة النفوذ للجماعات السياسية الجنوبية والتشكيلات العسكرية التابعة لها داخل العاصمة السياسية المؤقتة عدن وفي تخوم الإقليم الجنوبي الذي هُيئتْ كافة الأسباب لفصله عن اليمن في خضم فوضى الحرب والتسويات وهشاشة الدولة اليمنية.
لهذا لا غرابة في أن تنتشر ألوية ومناطق قوات درع الوطن من قاعدتها الرئيسة في العند في كل من الضالع ووادي حضرموت، وسط توقعات بأن تنتشر أيضاً في مناطق أخرى ضمن هذا النطاق الجغرافي.
ويقيني أن الرئيس رشاد العليمي لديه من الخبرة الأمنية والعسكرية والحس القيادي بما يسمح له بتعزيز البعد الوحدوي لهذه القوات عبر تطعيمها بعناصر وقيادات وطنية مهنية من مختلف مناطق اليمن، وستكون هذه الخطوة معياراً لمدى جدية السعودية في دعم الرئيس وتحويل هذه القوات إلى درع اليمن وليس إلى مجرد قوات ردع مكافئة لفوضى القوات والميليشيات والمشروع الانفصالي الذي يكاد يخرج عن السيطرة بفعل الإسناد الإماراتي.
ولا شك أن ردود الأفعال الغاضبة من قبل أنصار الانتقالي تجاه صدور قرار رئاسي بتشكيل قوات درع الوطن، إنما تكشف مخاوف المجلس الانتقالي وأنصاره وداعميه من هذه القوات الآتية من خارج المشروع الانفصالي رغم هويتها الجنوبية.
وهذا يعني أنه ربما تدفع سوء النوايا الإقليمية الأطراف المسلحة في عدن ومحيطها إلى ارتكاب مغامرة جديدة ضد السلطة الشرعية الحالية، وهو سبب كافٍ لتصادم عسكري محتمل، أسوأ ما قد يغذيه هي النزعات المناطقية لهذه الأطراف، مما يرشح عدن ل13 يناير جديدة دموية وعبثية.