ألغت السلطات في مأرب حفلاً فنياً للطفلة ماريا قحطان، كان مقرراً الجمعة، وكان ريعه "سيخصص لمرضى السرطان من الأطفال".
ألغي الحفل، لأن السلطات رأت أنه من غير المعقول أن يتراقص الناس طرباً، في وقت قتل فيه أكثر من عشرين ألف، عدا عن عشرات آلاف الجرحى وآلاف المفقودين تحت الأنقاض.
تصوروا أن الحفلة تمت، وتبادل الناشطون مقاطع فيديو لحالات الطرب والتمايل الراقص، ثم رآها سوري أو تركي قتلت أسرته كلها في الزلزال، أو رآها أي إنسان صاحب حس، ماذا سيكون حكمه على الحفلة والمنظمين والمجتمع وعلى صورة اليمن كله؟
المجتمع الدولي يشعر بحجم الكارثة وفعاليات كثيرة ألغيت حزناً ومواساة، فيما بعض الأصدقاء يغضب لإلغاء حفلة، ألغيت احتراماً لمشاعر المكلومين في سوريا وتركيا الشقيقتين، علماً بأن الاعتراض على الحفل المتفق عليه مسبقاً كان بسبب التوقيت لا الفعالية…
لم يرق للبعض إلغاء موعد الحفل، ومن حقهم أن يعبروا عن اعتراضهم، وأن ينتقدوا سلطات مأرب ومحافظها بما يرون، لكنهم عندما ينتقلون من الانتقاد إلى الاتهام والتخوين، وكأن الوطنية صك ممهور بتوقيعاتهم، فهم هنا يسيئون لأنفسهم أكثر من إساءتهم لمن ساقوا له الاتهامات، وأخرجوه من "دائرة الوطنية والنقاء الثوري"
أن توصف مدينة المقاومة بالتطرف، لأنها ألغت حفلة موسيقية في زمن الحزن، وأن توصف بذلك من قبل "الإسلاميين المودرن" الذين كانوا بالأمس القريب يحرمون الغناء، وأن يوصف المحافظ بـ"التفاهة"، وهو الذي ثبت مع أبناء مأرب ومن نزح إليها من الأبطال، فهذا الوصف لا يصح أن يصدر ممن فرّ من البلاد في حق من ثبت مدافعاً عنها، ولا يصح أن يصدر من قبل من حرموا الغناء قبل انفتاحهم، في حق مجتمع نشأ بالفطرة على "حداء الإبل" و"أغاني أبو عسكر"…
ونقول لمن جزموا بأن أوامر إلغاء الحفل جاءت من الرياض، لو افترضنا جدلاً صحة دعواكم، وهي غير صحيحة، فهل تعتقدون أن السعودية مهتمة لهذه الدرجة بإلغاء حفلة فنية لطفلة في عمر 12 عاماً، وأن الرياض ستكرس كل إمكاناتها لمنع حفلة موسيقية، نُظم قبلها الكثير مثلها، داخل السعودية نفسها؟!
أعود وأقول، انتقدوا من تشاؤون متى تشاؤون، لكن تذكروا أنه ليس من حق أحد احتكار النقاء الثوري والنزاهة الوطنية، ولا من حق من يغردون من مكاتبهم الوثيرة في العواصم التي فروا إليها أن يقللوا من شأن من دافع عن الجمهورية يوم أن خارت القوى وزاغت الأبصار.
ما أحذقنا في خسارة الرجال!