تقول لي: ماذا عن الاطمئنان؟ وكأنَّ شيئًا ما يتحرك بسرعة جنونية من سيئ إلى أسوأ؟ متى سنشعر بالطمأنينة!
فكرتُ معها بصوتٍ عال:
دعينا أولًا نُسائل المعنى!
ما الطمأنينة التي نبحث عنها؟ لأنّ هناك عدة أوجه لهذا المعنى، منها ما يُعطى هبةً من الله وفضل ومنها ما يجب أن نسعى إليه.
لنتفق أولًا أن الطمأنينة مقرونة في كثير من الآيات بالإيمان، والرضى، وهذا يسوقنا لنتيجة واحدة أن الاطمئنان لا يتعلق بما يحدث حولنا، وهذا لا يعني أننا لا نلقي بالًا لأي شيء، فنحن بشر بطبيعتنا نتأثر بكل شيء ولأننا كذلك فلا بد لنا من ملجأ لا تُغلق أبوابه، وفي تصوري أن لا ملجأ من الخوف والكدر إلا الإيمان والرضى.
صدقيني... لا فرق بين ماضٍ وحاضر، يُخيّل إلينا فقط أن كل شيء كان جميلًا ومطمئنًا وهادئًا... لكنّ الحياة هي الحياة بتعقيدها وتركيبتها العجيبة، والنفس هي النفس منذ خلق الله آدم -عليه السلام- حتى اليوم، والتفكير- أحاديّ الزاوية- بوصف الأشياء بخير مطلق أو بشرٍّ مُطبق لا يستقيم مع كل ما نعيشه، لذا وجب علينا التأني في البحث والنظر، وتأجيل الحكم على الأشياء والأحداث، واستحضار تصوراتنا الأولية الثابتة عن الحياة والممات كي نستطيع أن نفهم بعض ما يحدث دون هلع وخوف.
لطالما سألت نفسي لمَ كلّف الله إبراهيم بأن يأخذ أربعة من الطير ويجعل على كل جبل منهن جزءا؟
وهو القادر أن يجعل له معجزة وهو واقف مكانه!
ربما لأنَّ الطمأنينة تحتاج لسعي، تحتاج لحركة وبحث وعمل مقرون بالإيمان أيضًا...!
وأخيرًا...
"وإنّ إلى ربّك المُنتهى"
هذه آية تبعث الرهبة في النفس، لكنها أيضًا تبعث على الاطمئنان، فما دامت هذه العاقبة فما الذي يُضيرنا في الحياة كلها!
الطمأنينة تأتي بالسعي، بالتزكية، بمعرفة ما أودعه الله داخلنا من قابلية للتعلّم، بمقابلة الحياة برضى وأدب لا بسخطٍ ورغبة في تملّك كل شيء... أما الأحداث فلن تتغير وأما الإيمان فباقٍ ما خلق الله الأرض، وأما الناس فمُتكأ والله وحدهُ هو الرُكن الشديد.