تتعمد جماعة الحوثي إظهار أنها من يتحكم بمجريات الحرب على الساحة اليمنية، وها هي تنظم ما أسمته مناورة عسكرية واختارت صحراء الجوف المتاخمة للحدود السعودية مكانا لتنفيذ المناورة التي أطلقت عليها مناورة الصمود، وشهدت استخدام مروحية روسية الصنع من ملاك الجيش اليمني في عهد النظام السابق، بالإضافة إلى الدبابات.
ثمانية أعوام بالتمام والكمال مرت على المناورة التي نفذتها الجماعة في كتاف بمحافظة صعدة في الثالث عشر من شهر مارس/ آذار 2015، واستدعت ربما تدخلا عسكريا سعوديا باسم التحالف العربي. وحينها صاحبت تلك المناورات البدائية تصريحات من جانب قيادات حوثية ، توعدت خلالها السعودية من مغبة دعم الجماعات "التكفيرية" و "الإرهابية"، في محاولة مقصودة لإضفاء الطابع التشاركي لهذه الجماعة مع الجهد الدولي بقيادة أمريكا لمحاربة الإرهاب.
هذه المرة بدت مناورات "الصمود" محاولة واضحة لإظهار من هو الطرف المنتصر في الحرب، خصوصا أن السعودية تبدو شبه منسحبة من العمليات العسكرية، وذلك يعني أنها ليست مستعدة لتقديم إسناد جوي أو حتى مواجهة مثل هذا الاستفزاز الموجه لها في المقاوم الأول.
غير أن ذلك ليس نهاية المطاف بالنسبة للحرب في اليمن، ولن تمثل هذه المناورة دليلا على حسم هذه الحرب، فالأمر لا يحتاج أكثر من قدرة القوات الحكومية على الوصول إلى الأسلحة النوعية لإلحاق الهزيمة بهذه الجماعة الطائفية، وهي الأسلحة التي حرم منها الجيش الوطني والمقاومة الشعبية، على وجه الخصوص طيلة سنوات الحرب الماضية.
يمثل الاتفاق السعودي الإيراني واحدا من العوامل التي سوف تكبح النشاط العسكري السعودي في اليمن، ولهذا باشر مسلحو جماعة الحوثي في تنفيذ هجمات عسكرية مكثفة في مناطق عديدة من مأرب أبرزها تلك التي تستهدف من خلالها إعادة السيطرة على حريب، وهدفها تحقيق مكاسب ميدانية وتعزيز قدرتها للوصول إلى منابع النفط الهدف الذي فشلت في تحقيقه طيلة السنوات الماضية.
غير أن جماعة الحوثي المدعومة من إيران تبدو واثقة هذه المرة أن القوات المدعومة من الرياض لن تتلقى إسنادا جويا كما كان الحال في السابق، بفضل اتفاق بكين، إذ لا تزال هذه الجماعة تعتقد أن المشكلة ليست في الحرب التي تخوضها ضد الشعب اليمني، بل في الصواريخ التي أطلقتها بدعم إيراني كامل على العمق السعودي خلال السنوات الأربع الماضية، الأمر الذي أكسب الحرب طابعها الإقليمي.
ومع كل معركة تتجدد تتجه أنظار القوات الموالية نظريا للحكومة، إلى الرياض، التي عملت طيلة الفترة الماضية على تقييد القدرات القتالية لحلفائها، ليبقى أداءها في حدود الأهداف التكتيكية.
والأمر هنا ينطبق بشكل حرفي على الركيزة العسكرية الأساسية للشرعية وهي الجيش الوطني، الذي حاول أكثر من مرة الخروج عن الخط المرسوم له وحقق تقدمات مهمة في جبهة نهم بغية الوصول إلى صنعاء، لكنه تلقى بسببها ضربات مؤلمة من طيران التحالف، في حين بقيت ذريعة "الخطوط الحمر" الأمريكية ملاذا سعوديا لتبرير لماذا لم تفلح الحرب في الوصول إلى صنعاء.
وكالعادة لن تضطر إيران لتغيير ثوابتها مطلقا إزاء الحرب اليمنية وإزاء حلفائها، ولهذا أوعزت للحوثيين بالتصرف كطرف غير معني بالاتفاق الإقليمي السعودي الإيراني برعاية صينية، وأملها أن تدفع هذه التحركات العسكرية الحوثية السعودية والشرعية والمجتمع الدولي، إلى الإقرار لحلفائها الحوثيين بسيطرتهم على شمال اليمن، والإقرار بمشروعية مساعيهم لاستكمال السيطرة على الموارد التي يحتاجونها لتثبيت سلطتهم الطائفية.