يوم أمس (الثالث من رمضان) أقدم الحوثيون على تصعيد خطير تمثل في تنفيذ هجوم بطائرة انتحارية مسيّرة من صنع إيراني؛ على موكب يضم وزير الدفاع اليمني الفريق الركن محسن الداعري ورئيس هيئة الأركان العامة اللواء صغير حمود عزيز ومحافظ محافظة تعز نبيل شمسان وقائد المنطقة العسكرية الرابعة في الجيش اليمني اللواء فضل حسن وعددا من الضباط، وهم في طريقهم إلى مدينة تعز قادمين من ميناء المخاء التابعة لمحافظة تعز.
وسنرى كيف تحول هذا الحادث إلى مجرد استهداف لمحافظ تعز فقط، وبصاروخ حراري وبقذائف مدفعية، أُطلقت من تلة تطل على الطريق الواصل بين مدينة المخا ومدينة تعز، وبالتحديد في منطقة الكدحة التابعة لمديرية المعافر وتقع في منتصف الطريق بين مدينتي المخا وتعز، واستهدف الهجوم السيارة التي كانت تقل المحافظ، فيما غرد وزيرا الدفاع ورئيس الأركان، ليثبتا أنهما كانا بعيدين عن هذا الاستهداف، حيث تفقدا في زمن وقوع الهجوم، كما توحيان تغريدتاهما، القوات في باب المندب وجزيرة ميون، ولم يفسرا سبب استعجال محافظ تعز العودة إلى مركز المحافظة وهو الشخص الذي تشمل ولايته التنفيذية والإدارية باب المندب وجزيرة ميون التابعتين لمحافظة تعز.
وليس لدي أدنى شك في أن محاولة التقليل من تأثير الهجوم الحوثي على الموكب رفيع المستوى وهو في طريقه إلى مركز محافظة تعز، إنما عبرت عن حاجة السعودية إلى عدم إعطاء هذا الحادث أبعاده الحقيقية، على الرغم من أن الهجمات الحوثية شملت أيضاً مقر المحور العسكري لمحافظة تعز الذي كان من المفترض أن يزوره الوفد العسكري رفيع المستوى، فيما بدا أنه تصعيدٌ عسكري شامل يستدعي الرد بكل الوسائل الممكنة، وهو أمر يبدو أن السعودية تتجنبه في أكثر من جبهة بما في ذلك في محافظة مأرب، والأولى أن تتجنبه في تعز.
ويعزى ذلك إلى استمرار الموقف السلبي من جانب التحالف تجاه محافظة تعز التي لا يزال القرار العسكري فيها مرهوناً بإرادة الجيش الوطني والمقاومة الشعبية، فهما من يتحكم بشكل كامل بمسرح المواجهة مع الحوثيين، ويؤمنان المدينة الوحيدة التي تُعِّبرُ بدقة عن المشروع الوطني، وتمثل متنفساً حقيقيا للقوى الوطنية المناهضة للانقلابيين والانفصاليين ولتوجهات ومخططات التحالف التي تزداد بعداً عن المصالح الوطنية العليا للشعب اليمني.
وإذا كان هناك من تأثير للتفاهمات السعودية الإيرانية، فقد انعكس في الانضباط الذي أبداه الحوثيون تجاه الأهداف الثمينة التي توفرت في مدينة المخا وتمثلت في الاجتماع الذي عُقد بقيادة عضو مجلس القيادة الرئاسي العميد طارق محمد عبد الله صالح، وحضره وزير الدفاع ومرافقيه ومحافظ تعز بالإضافة إلى قائد قوات الدعم والإسناد للتحالف العربي اللواء سلطان البقمي وعدد من الضباط السعوديين، وأعلن أن هذا الاجتماع ناقش الوسائل المناسبة للتعامل مع التصعيد العسكري الحوثي، وصياغة خطوات عملية لتعزيز ورفع كفاءة التنسيق بين مختلف الجبهات.
الوفد نفسه قام بجولة في شرق المخا وزار معسكراً شرقا المدينة، لكن لم تكن تلك التحركات دافعاً للقيام بالهجوم عليها، مع وجود القيادات السعودية ضمن وفد وزير الدفاع اليمني.
وما من سبب إلا أن حليف إيران أراد أن يُبقِي المواجهة في حدودها الداخلية حيث لن يضطر العالم إلى إدانة هكذا هجوم، ولن يشكل ضغطاً عسكرياً مباشراً على السعودية قد يحملها على التصعيد المماثل، والمفترض أن يحضر الآن عبر التعزيز الجوي في ظل الهجمات العسكرية التي يشنها الحوثيون في محافظة مأرب، وتتركز جنوب غرب مدينة مأرب وفي مديرية حريب، وهي الهجمات التي تهدف إلى الوصول إلى منابع النفط والغاز في المحافظة.
وزير الدفاع رفقة رئيس هيئة الأركان وقيادات عسكرية يمنية إلى جانب قائد قوات الإسناد للتحالف اللواء السعودي سلطان البقمي، كانوا قد نفذوا خلال الأيام الماضية جولةً واسعة شملت عدة محافظات؛ بينها محافظة أرخبيل سقطرى الذي كان قد خرج تماماً عن سيطرة السلطة الشرعية، وفُهم أن هذه الجولة تستهدف في المقام الأول إعادة ترميم جبهة الشرعية في بنيتها الخشنة المتمثلة في القوات المسلحة وإعادة رسم مسرح عمليات عسكري تتحقق فيه وحدة القرار.
وهذا الإجراء الذي تشرف عليه السعودية، كما هو واضح، يبدو أنه يتم خارج التفاهمات السعودية الإماراتية، بل ويتأسس على حساب مخططات وطموحات أبو ظبي، خصوصاً أن جزءا من هذه المهمة هو توسيع نطاق انتشار قوات درع الوطن التي تأسست منتصف العام الماضي بدعم سعودي لتكون تحت الإشراف المباشر لرئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي، وفي مناطق تتحكم بها وحدات عسكرية تدين بالولاء لأبو ظبي وبالأخص في محافظتي عدن وأرخبيل سقطرى المشاطئ للمحيط الهندي.
هناك ألف دليل ودليل على أن اليمن موعود بترتيبات شديدة السوء مدفوعة بالرهان السعودي الخاسر على التهدئة التي جلبها اتفاق العاشر من آذار/ مارس الماضي المنجز بواسطة صينية مع الإيرانيين، ويدفعها أيضاً نحو خيارات تخصم من مكانتها الجيوسياسية الإقليمية، كالانفتاح غير المنضبط على النظام السوري والقبول بتسوية رئاسية مرّة في لبنان، واللذين يقدمان أوضح الأدلة على مصير كارثي للتدخل العسكري السعودي في اليمن ليتحول إلى مهمة فاشلة، لا بل إلى انتصار إيراني كبير يعكسه التمكين المحتمل لحلفائها في الجزء الشمالي المفيد من البلاد.
* عربي 21