يمكن القول إن الحرب اليمنية قد انتهت، على رغم ما تبدو عليه كحرب مستمرة، وغير ناجزة.. فقد بات من الواضح جدا أنها غير قابلة للحسم عبر أدواتها العنيفة.
فمن يملك الرغبة لحسمها، والذي هو الحوثي لا يملك القدرة، وقد فشل في ذلك، ومن يملك القدرة قد تخلى، ومنذ زمن بعيد، عن رغبته المعلنة في حسمها، فلم يعد إعادة الشرعية للحكم هدفا للتحالف العربي حربا على الأقل..
فالإطاحة بهادي كممثل لتلك الشرعية التي كانت، والمجيء بمجلس حكم يعبر عن أطراف الصراع، وترك مكان شاغر للحوثي فيه ليس إلا التعبير الأكثر كثافة عن ذلك التحول في رغبات التحالف العربي في شقه السعودي، وأهدافه من الحرب. فيما أتى الاتفاق الصيني بين السعودية وإيران كأحد التعبيرات الصريحة لهذا التحول، والمؤكدة عليه...
إلا أن القول بنهاية الحرب لا يعني على الإطلاق القول بنهاية الصراع.. فهو ما يزال مستمرا، وأكثر تعقيدا مما كان عليه في بداية الحرب، فهو لم يعد ذلك الصراع في تعريفه البسيط بين انقلاب حوثي مدعوم من إيران، وشرعية مدعومة من السعودية والإمارات، وقد اكتسب مسارات جديدة بدخول لاعبين جدد بأهداف إضافية كالتي يمثلها الانتقالي الجنوبي، ومطالبه الانفصالية التي باتت مدعومة بسيطرة عسكرية على أجزاء مهمة من البلاد..
فالحرب ملمح واحد في مفهوم الصراع الشامل، وقد كانت فرصة لحسمه لصالح إحدى الرؤيتين، الشرعية أو الانقلاب، إلا أنها فشلت في ذلك كما فشلت في منح الانتقالي رغم سيطرته العسكرية انفصالا ناجزا ومعترفا به..
وما تفشل الحرب في منحه، قد لا تمنحه السياسة، وهي الأضعف في القدرة على الفعل، والتأثير، والحسم..
فما لم يحققه الحوثي بالحرب، لن يحققه بالسياسة، وما لم يتخلى عنه بالحرب، قد لا يتخلى عنه بالسياسة أيضًا.. وكذلك التحالف العربي، وهو وإن كان قد تخلى عن الحرب في دعم رؤيته للحل باليمن، لا شيء قد يجبره على منح الحوثي انتصارا كاملا، والتسليم له بالسيطرة على اليمن بالسياسة..
وفيما تبدو التسوية السياسية الشاملة خيارا معقولا ووسطا بين الشرعية والانقلاب بالنسبة للسعودية، ومنسجما مع توجهاتها الجديدة في المنطقة، مدعومة برغبة أمريكية داعمة لهذه الرؤية منذ البداية، وباتفاق صيني قادر على التأثير على إيران، وبالتالي على الحوثي... وإنها الخيار الأقل ضررا بالنسبة للأطراف اليمنية المنضوية في إطار الشرعية، قد لا تكون هذه التسوية الخيار المفضل بالنسبة للحوثين، وبالمثل للانتقالي المدعوم إماراتيا..
تملك السعودية، وهي صاحبة هذه الرؤية القدرة على فرض هذه التسوية على الأطراف اليمنية القادرة على التأثير عليها بما في ذلك الإصلاح وطارق صالح، والأحزاب السياسية الشرعية، والامتحان الجدي أمامها هو مدى قدرة الصين على التأثير على إيران لجلب الحوثي إليها، وبالمثل القدرة على التأثير على الإمارات لجلب الانتقالي الجنوبي.. وحتى ذلك الحين قد نراوح طويلا بين حالة اللاسلم واللاحرب، فقد تحتاج السياسة ضعف ما احتاجته الحرب من سنوات الصراع.. ومثلها لا أحد يضمن نجاحها، فكما فشلت الحرب قد تفشل السياسة أيضا، واحتمالات فشلها أكبر من احتمالات الحرب حتى.
إلا أن الأكيد، والواضح الآن هو أن الأطراف الإقليمية، والدولية قدرت بالفعل على تجميد الحرب في اليمن، وهي قادرة على إدامة هذا التجميد أيضا، وقد عززت ذلك بالاتفاق الصيني بين السعودية وإيران، فلا حرب في اليمن دون تغذية، وإرادة إقليمية ودولية.. وهو ما أمكننا القول معه إننا أمام نهاية للحرب، أو تجميد طويل لها على الأقل..
غير أن الشروط الموضوعية التي توافرت لتجميد الحرب، قد لا تكون هي نفسها الشروط الموضوعية لإنهاء الصراع.. فالرغبة في تجميد الحرب، والتي تلاقت عندها رغبات الأطراف الإقليمية والدولية، قد لا تعني تماما رغبتهم في إنهاء الصراع.. وعلى العكس من ذلك قد يعني تجميد الحرب إفقاد الصراع لأدواته الفاعلة، والقادرة على الحسم، وبدلا من أن يكون تجميد الحرب المدخل لإنهاء الصراع يكون السبب في ديمومته واستمراره..
فليس كل نهاية حرب نهاية صراع، خاصة أن كانا مثل حربنا وصراعنا، حربا ضعيفة، وفاشلة، وصراع ما يزال في كامل حيويته وقوته.. شاخت هي، وهو ما يزال فتيا وشابا، وأكثر حتى مما كان عليه قبل الحرب..