مهما كثر الحديث عن السلام مع الحوثي، فهو توهم؛ والأكيد أنه سيستمر بالتشبث بالسلاح والعنف والتعبئة، كما كان في كل حروبه السابقة وهدنة وسلامه، منذ حوالي عشرين عاما. فهو يخوض حربا مقدسة، كثيرا ما وصفها عبدالملك نفسه بأنها حرب عبر الأجيال، أو حرب حتى يوم القيامة.
وعلى الأرجح أن الحوثي سوف يتعامل مع السعوديين، الراغبين في الخروج من الحرب، مثل تعامله مع اليمنيين طيلة العشرين عاما الماضية، فلم يكن اليمنيون يريدون الحرب أصلا . ولطبيعة الحوثي ومعتقداته، قد يجد السعوديون أنفسهم مضطرين مرة أخرى لخوض المواجهة مع الحوثي ولو بعد سنين. ولا يستبعد أن يخوض معهم الحرب الثانية والثالثة والسادسة! على غرار حروبه مع الدولة اليمنية منذ 2004.
ولا توجد بوادر أو مؤشرات، في أن يغير الحوثي معتقداته وأساليبه خلال الشهور والسنوات القادمة، ليكون قوة سياسية وطنية طبيعية تنتمي إلى هذا العصر، وسوف يبقى متمسكا بالأساطير والمعتقدات في الاصطفاء والحق الإلهي، وبالعنف والسلاح لفرضها. وواجبات الحوثي وحقوقه؛ وفقا لمعتقداته، لا تقتصر على اليمن، وإنما تشمل الفضاء الإسلامي كله، وأهل الجزيرة العربية هم الأقرب و "أولى بالمعروف" وهو لا ينسى فلسطين طبعا!
صنفت الحكومة اليمنية الحوثي حركة إرهابية، وحثت جميع الدول على اعتماد ذلك التصنيف، ومع ذلك، لا يملك مجلس القيادة الرئاسي سوى أن يبصم على ما اتفق عليه السعوديون والحوثيون. ومؤسف ومحزن، أن ينتهي أمر الشرعية اليمنية التي قام التحالف والحرب الطاحنة بحجة إعادتها، إلى حال تابع وتائه وبائس كهذا.
وطوال اللقاءات والمفاوضات مع الحوثيين كانت الحكومة الشرعية مستبعدة، ومن الواضح أنها في شكلها وتشكيلها الجديد، لا تملك من أمرها شيئا. ولعل حكاية أن هادي كان لا يصلح شريكا، كان القصد منه، شريكا لا يتلكأ أو يتأخر في الموافقة على أي شيء، وبسرعة فائقة وطاعة عمياء!
وكان استبعاد الشرعية اليمنية من اللقاءات والمفاوضات، شرطا حوثيا تعاطى معه السعوديون بما يرضي الحوثيين ، بغض النظر عن رضا الشرعية اليمنية، حلفاء السعوديين، من عدمه. وهم في حقيقة الأمر- أي الشرعية- وفي قرارة أنفسهم، ليسوا راضين، لكنه صار يقضى الأمر حين تغيب تيم ولا يستأذنون وهم شهود، كما قال الشاعر قديما!
وبعد استقبال السفير ال جابر ليلة أمس في صنعاء على النحو الذي كان، لا بد من أن يسأل كثيرون، لماذا قامت الحرب أصلا؟!
وكيفما كانت النوايا؛ فقد تمخضت حرب الثمان السنوات الماضية، عن تمكين الحوثيين والانفصاليين، وتدمير اليمن، وإضعاف الجميع ما عدا الحوثيين والانفصاليين... ويبدو أن لا أحد يأبه بما يفترض أنه يمثل تطلعات الأغلبية الساحقة من الشعب اليمني، وحقهم في سلام حقيقي وحياة كريمة ودولة يمنية واحدة مستقرة على كل التراب اليمني. وهذا يعني إن الصراع سوف يستمر في اليمن، للأسف. وإن السلام الحقيقي ما يزال بعيد المنال.