من الطبيعي أن يكون الأشقاء في السعودية غير راضين، عن مآلات ثماني سنوات من الحرب ضد الميليشيات الحوثية ، وبالتأكيد فإن نتائج الحرب، ومآلاتها ، أقل من استحقاق دولة عربية معتبرة قوية؛ مثل السعودية؛ أما اليمنيون؛ فهم محبطين تماما، ومتعبون جدا، بل غاضبون كثيرا، فمليشيات الحوثي ما تزال مسيطرة على صنعاء بعد ثماني سنوات من التشرد والدمار والحرب، والانفصاليين مسيطرون بميلشياتهم على عدن، وصورة عودة الرئيس العليمي من الرياض، ليؤدي صلاة العيد في عدن، في كنف وحماية نائبه الانفصالي ومليشيات ، تعني الكثير من الإحباط والألم والفشل، وتعبر عن سخرية الزمن والقدر؛ ومعنى أن تكسب مليشيات الحوثيين ومليشيات الانفصاليين هو أن اليمن خاسرة، وأن التحالف خسر أهدافه المعلنة وخسر ثقة اليمنيين للأسف، وأن الحرب لم تحقق أيا من غاياتها النبيلة حيث إنها؛ أو يفترض أنها قامت من أجل هدف مشروع ونبيل، وهو إعادة الحكومة الشرعية إلى العاصمة صنعاء، وإنقاذ الشعب اليمني، من مليشيات متطرفة غاشمة، إرهابية... وغالبية اليمنيين لا يمكن أن يصفقوا لمكاسب الحوثيين والانفصاليين، ولن يحتفي بذلك التاريخ اليمني ولا الأجيال القادمة ولا تاريخ المنطقة؛ وللأسف فإن كل ما حدث من تطورات في سنوات الحرب الثمان، جعلت الوضع المعقد في اليمن أكثر تعقيدا والأحوال الصعبة أكثر صعوبة ومأساوية.
اقتحمت المليشيات الحوثية العاصمة صنعاء، بعد عشر سنوات من تأسيسها وحروبها الستة، وسيطرت على كل شيء وأطاحت بالرئيس والحكومة والتفاصيل بعد ذلك معروفة، وتعد تلك التطورات الخطيرة وما قبلها، مسؤولية قادة يمنيين، أخطئوا في الحسابات وأساءوا في التقديرات والقرارات والتصرفات والمواقف، ولم يكونوا على قدر كاف من الفهم والإدراك والمسؤولية، ودفعت اليمن ثمن ذلك، ودفع كثير من أولئك القادة ثمن أخطائهم الفادحة.
وحيث لا يستطيع اليمنيون التنصل عن مسؤولياتهم تجاه وطنهم ومآلاته ، في كل الظروف والأحوال وفي كل وقت، فليس من المجازفة القول الآن بأن التحالف مسؤول عن مجمل ما جرى ويجري بعد إعلان التحالف دخول الحرب في 26 مارس 2015، فهو منذ ذلك الحين المهيمن والمدبر، والمقدم والمؤخر، بما ذلك تشكيل مليشيات متضاربة الأجندات والأهداف وما ترتب على ذلك من فشل تحرير صنعاء وغيرها من المناطق؛ وحتى عن التعيينات والعزل بما في ذلك الرئيس ومجلس الرئاسة.
بعد تدخل التحالف، كان يفترض إعادة بناء جيش وطني واحد فقط؛ من كل مناطق اليمن وتجهيزه بما يكفي لهزيمة مشروع الحوثي وميليشياته وتحرير صنعاء وغير صنعاء من مليشيات الحوثي؛ وكان هذا ميسرا وممكنا، ولا يكلف الكثير بالمقارنة مع ما لحق التحالف من تكاليف مادية وبشرية وما لحق باليمن من دمار شامل ومأساة إنسانية لا مثيل لها في العالم.
كان إعادة بناء الجيش، هو الأولى والمتوقع؛ بالنظر إلى وفرة الجاهزين من أفراد الجيش والراغبين الجدد في الانخراط في الجيش، واستعداد اليمنيين لمقاومة الحوثي؛ ولكن ذلك لم يتم؛ وبدلا عنه، تم تكوين مليشيات أخرى، لبعضها طابعا حزبيا، وأخرى ذات طابع جهوي، أبرزها؛ مليشيات الانتقالي وهدفها فرض الانفصال بالقوة، مع أن الموقف المعلن للتحالف، مثلما هو للشرعية الدولية، هو الحفاظ على وحدة اليمن، واستقلاله وسلامة أراضيه. وبدا التحالف هنا وكأنه يناقض أهدافه، ويخالف قرارات الشرعية الدولية، بشكل صارخ، ثم لاحقا، بدا وكأن التحالف يريد تدارك الخطأ الفادح، في تكوين المليشيات، بدلا عن إعادة بناء الجيش، ونص اتفاق الرياض (5 نوفمبر 2019) على دمج جميع التكوينات العسكرية؛ المليشيات، في الجيش الوطني، وهذا ما لم يتم لحد الآن، وعلى الأرجح أنه لن يتم، بعد كل هذا الوقت وبعد التطورات اللاحقة. وكل ما في الأمر أنه تم إشراك الانفصاليين في الحكومة؛ في سابقة غريبة مستحدثة لم يحظ بها انفصاليون في التاريخ، وبما يحقق مصالحهم الفئوية الانفصالية، دون تقديم أي شيء يعول عليه لصالح اليمن.
وعندما تم تكوين مجلس القيادة الرئاسي (7 إبريل 2022)، كان أبرز ما تضمنه هو مراعاة التكوينات المليشاوية على الأرض وتم تعيين قادة تلك المليشيات أعضاء في مجلس الرئاسة، وتم تشكيل لجنة عسكرية أبرز مهامها، دمج المليشيات، في الجيش، لكن كل شيء بقي كما هو، بل تم دعم وتكوين مليشيات أخرى مثل درع الوطن، وهي ذات صبغة دينية سلفية، ومنشأ جهوي، ولأن المليشيات الأم؛ (الحوثيين) صارت أقوى بسبب سوء إدارة الحرب، رأينا السفير محمد ال جابر، ينطلق إلى صنعاء، ليواجه بعجرفة مليشاوية، لا تنتهي، ولن تنتهي. ولا بد من أن ال جابر، وهو شخص ذكي، ومحترم على المستوى الشخصي، وإن كنا نختلف معه كثيرا ونخالفه، لم يكن يتوقع من قبل، الذهاب إلى هناك على نحو ما تم، ولعله لم يكن سعيدا بذلك، وبالتأكيد فإن اليمنيين، ما عدا الحوثيين، ليسوا سعيدين بهذه المآلات .
على ضوء تجربة اليمن المريرة، وما يجري في السودان، من الطبيعي طرح السؤال الكبير، أي مستقبل وأي سلام ينتظر اليمن في ظل كل هذه المليشيات المتناحرة؟! وكلما جرى بشأن التشكيلات المليشياوية، هو تفخيخ مستقبل اليمن لعقود قادمة؛ بدلا عن تحريرها، ومع ذلك، ولأن غالبية المليشيات المتعددة من صنع التحالف، فهو ما يزال قادرا، على معالجة وضعها، ومسؤول بالعمل على تفكيكها، والمساعدة في دعم جيش وطني واحد فقط... وبعد ذلك، تكون هزيمة الحوثي ممكنة، ولو حتى خرج التحالف من الحرب... وبعد تجربة عشرين عاما من حروبه وسلامه الخادع؛ يفترض أن يدرك كل من يهمه الأمر بأن السلام مستحيل مع الحوثي، للأسف.
عندما انفجرت حرب السودانيين، تألمت قلوبنا، المتألمة في الأصل، كثيرا، على الشقاء والعناء الذي قد ينتظر ذلك البلد الشقيق وأهله الطيبين... وحيث نلمس أن مشاعر الدنيا كلها إلى جانبنا أيضا، فما بالك بمشاعر الأقربين، لكن المشاعر الطيبة للبعيدين والقريبين، وحدها، لا تصنع الشيء الكثير للمنكوبين بأوطانهم، وهي لم تعيد لليمنيين وطنهم وحقوقهم وحياتهم الكريمة.
وندرك عقلا أن أشقاءنا السعوديين، لا يرغبون باضطراب خطير مستمر لدى أقرب الأقربين لهم؛ ولعل كثيرا منا ومنهم، لم يدرك حجم خطر المليشيات الحوثية ، عندما أسسها "الزميل" البرلماني، حسين الحوثي، وبدأت حربها الأولى بقيادته، حتى وجد جيراننا أنفسهم أمام لحظة الحقيقة المرة، بعد أكثر من عشرة أعوام على تأسيس تلك المليشيات المجرمة، لينخرطوا في أخطر حرب في تاريخ السعودية، بعد حروب توحيدها، بقيادة الملك عبدالعزيز آل سعود.
ولو استمر التهاون في بقاء الوضع كما هو، والمليشيات كما هي، فإن المخاطر الكبرى واردة في المستقبل المنظور بقوة؛ بل تكاد أن تكون مؤكدة تماما... ولا يستبعد أن يولد الإحباط المتراكم الهائل في اليمن، مليشيات أخرى أكثر خطرا وضررا، وقد تجد في طول هذا العالم الخطر وعرضه، من يتبناها ويدعمها.
ويبقى استقرار اليمن وأمنه، مهما للمنطقة والعالم؛ وأمن اليمن، أمن قومي سعودي، ومصلحة سعودية، والعكس صحيح أيضا بالنسبة لليمن واليمنيين، في ما يخص أمن السعودية... وندرك بأن ليس من مصلحة السعودية؛ الدولة المحورية في المنطقة، أن يضل جارها الرئيسي والكبير، مضطربا، ومجهول المصير، ويضل وضعه قابلا للاستغلال من قبل أي قوة دولية أو إقليمية، مثلما حدث كثيرا في الماضي ويحدث الآن... والثابت أن العالم متغير ومتقلب، وخطير أيضا.