يقول السيد جمال بن عمر، في مقابلته الأخيرة، في قناة روسيا اليوم، إن الحوثي دخل صنعاء دون مقاومة؛ وهذا صحيح؛ (إلا مقاومة محدودة من مقر الفرقة ومن الإصلاح ووحدة صغيرة في التلفزيون لبعض الوقت)؛ وليس المجال هنا للتفصيل في ذلك الآن ؛ على أهميته.
قال بن عمر إن الحوثيين ، كانوا قوة صغيرة جدا، عندما اجتاحوا صنعاء، وهذا صحيح كذلك؛ وقد وصلوا إلى السلطة بسبب غباء بعض السياسيين اليمنيين حسب تعبيره، وهذا صحيح تماما أيضا؛ وما يزال الغباء، أو التغابي (غير المستحب طبعا)؛ سيد الموقف!
قال بن عمر: هناك سياسيون كانوا يقولون له (من غير المؤتمر والإصلاح حسب تعبيره): خل الحوثيين ، يخلصونا من جامعة الإيمان، ومن الإصلاح ومن علي محسن، وسيعودون إلى صعدة!
وعلى الرغم أن ذلك تواطؤ وخيانة لليمن، فإنه أيضا دليل إضافي بأن قصر النظر والغباء لا حدود له، عند أولئك الساسة، الذين كانت تلك تقديراتهم، والذين وضعتهم تقلبات الزمن، وظروف اليمن، في صدارة المشهد لشعب عريق ومحترم، والواجب أن لا يكونون في الصدارة، وبعضهم ما يزال؛ مع أن مكانه الطبيعي في الخلف تماما. ويعد أولئك الساسة مشاركين في تلك الجريمة التاريخية النكراء؛ اجتياح العاصمة، ولا بد من أن يدينهم التاريخ على الأقل، إن نفذوا من هذه الحياة دون حساب مستحق. كنت فهمت جزءا من تفكير أحدهم قبل اجتياح صنعاء، وصدمت، وبعد تغير موقفه من الحوثي، قابلته خارج البلاد، وأطرق إلى الأرض خجلا ومرتبكا بعض الشيء، وقال: ما كنا نريد أن تصل الأمور إلى هذا الحد! قالها؛ بمرارة، بعد أن دخل الحوثي صنعاء، وخرج منها الجميع، ولعله ظن أن الحوثي سيكون لطيفا ورفيقا وحبيبا، لكن ذلك السياسي، كان ممن وصفهم بن عمر بالغباء! وحدث ولا حرج عن الغباء، والتغابي (مرة أخرى غير المستحب) بالمفرق وبالجملة في دنيا السياسة اليمنية! وحدث عن الأحقاد، المدمرة التي لا تستثني نتائجها أصحابها؛ في النهاية.
ولا ندعي ذكاء، لكن الأمور المتعلقة بالحوثي، كان ممكنا فهمها بالبداهة منذ البداية ومنذ نشوئه، إلا أن يكون الغباء، بلا حدود؛ وقد تكون الأحقاد التي دمرت الوطن بلا حدود أيضا... هل وقع آخرون ممن يفترض أن نواياهم حسنة، في شكل من أشكال الغباء؟! ربما! خاصة من جهة الافتقار إلى الحس الذي قد يكون غير طبيعي، إلى حد يفترض أن الغباء لا حدود له، عند بعض المشيرين والمبصرين، وعند مسؤولين وقادة قادرين على الدفاع عن العاصمة وحمايتها، ولكنهم لم يفعلوا... وهناك أدوار مشبوهة لمن كانوا يظهرون بلبوس وطنية زاهية واسعة بحجم اليمن كلها، وأحيانا أكبر، وأتحاشى ذكر الأسماء، هنا، حيث الأولية الآن للعبرة، بأمل أن لا يلدغ المؤمن ألف مرة من ذات المكان أو ما يشبهه، وليس للمناكفة.
قال بن عمر إن القرار 2216 كان كارثة، لأنه يطلب من الحوثيين الاستسلام؛ والحقيقة، فإن الهدف والنية كانت كذلك في البداية، أي هزيمة الحوثيين ، واستسلامهم، وقد كان القرار 2216 يعبر عن تلك النية وذلك الهدف، أي إلحاق الهزيمة بالحوثيين ؛ وكان ذلك ممكنا تماما بدليل تقدم القوات المقاومة للحوثي، وتقهقر قوات الحوثيين في أكثر من جبهة، وجهة، وبسرعة؛ وقد أسقط في يد الحوثيين ، في بداية الحرب، وكانوا وما يزالون قوة صغيرة إزاء إمكانات التحالف، وما يمكن ترتيبه، وعمله مع حلفائهم اليمنيين لهزيمة الحوثيين . لكن ما الذي حدث بعد ذلك، حتى بدا القرار 2216 وكأنه خطأ، أو كارثة، على حد تعبير بن عمر؟ كثير من تلك التساؤلات سوف يجيب عنها الزمن، أما بعض أجوبتها المهمة فواضحة الآن ، لعل منها تغير بعض الأجندات، التي سبق وأشرنا إلى مضامينها، في تناولات سابقة، أكثر من مرة، ومن ذلك، توقف التحرير على حدود التشطير السابقة، مع تكوين مليشيات متعددة ومتضاربة، وأمراء حرب، أبرزها قوات الانفصاليين، بدلا عن دعم جيش وطني يمني واحد.
هناك من يأمل أن التغير في الأجندات، قد لا يكون ثابتا، ويمكن العودة إلى الأجندة الأصلية، والهدف الأصل، ولو بعد حين(!!) وهو هزيمة الحوثي... والشيء الطبيعي هو هزيمة الحوثي، والحفاظ على اليمن موحدا، أما السلام مع الحوثي فهو أمنية جميلة، ولكنها مستحيلة... كما أن التفكير في إعادة تقسيم اليمن، يعد جريمة تاريخية، وتأتي في سياق الغباء السياسي والإستراتيجي.
اليمنيون، على وجه الخصوص، ومع كل أسف، لن يجدوا مناصا من مواجهة الحوثي، حيث يستحيل أن يكون الحوثي طرفا في تحقيق السلام؛ وإن كنا نتمنى ذلك ونتوق إليه، وهو لم يجنح للسلم، عندما كان قوة صغيرة في جبال صعدة، فكيف به الآن ! الاستسلام أحد خيارات الحروب أيضا، لكن يصعب استسلام خصوم الحوثي، وهم كثر، لقوة أصولية طائفية عنصرية، متعصبة متخلفة... الأمر ليس سهلا، كما يصوره أو يتصوره كثيرون ... ويكاد أن يكون عامة الشعب اليمني معاديا للحوثي.
بن عمر، توغل كثيرا في الأزمة اليمنية، وكان أحيانا جزءا من المشكلة، وكان غالبا، ما يتماشى مع القوي، واقتبس هنا، بعض ما كتبت عنه في 28 إبريل 2015، على صفحتي في الفيسبوك: (بن عمر لم يكن وسيطا محايدا ونزيها بما فيه الكفاية للأسف، بل العكس، كان عادة ما يمالئ الطرف الأقوى في صنعاء، أو الذي يبدو له أنه كذلك... وعادة ما كان يتصرف بشكل مغاير مع الطرف الذي يبدو في وضع أضعف...! فعل ذلك مع المؤتمر في البداية، عندما كان موقفه متضعضعا ذات حين أو بدا له أنه كذلك…. وفعل الشيء ذاته، وإن بمستوى أقل، مع الحوثيين …. وواجههم ذات مرة، وأبلغهم بأنهم إن لم يسلموا السلاح الثقيل فلن تشملهم نتائج الحوار الوطني وسيعتبرون متمردين، قال ذلك لعبد الملك الحوثي مباشرة عند زيارته لصعدة في نهاية صيف 2013. كان بن عمر محقا بطلبه ذاك في الحقيقة، لكنه لم يواصل مشواره الصحيح وإصراره على ما يجب، حيث تجاوز ذلك الطلب المهم بعد ذلك ولم يعد يعره بالا أو إهتماما ، وتغير موقفه من بعد وقال في أحد تقريراته المقدمة لمجلس الأمن بأن ما يحدث في عمران هو صراع بين الحوثيين وجماعات مسلحة، يعني لا علاقة للجيش أو الدولة باستيلاء مليشيا مسلحة على محافظة تقع علي تخوم العاصمة، ولواء عسكري من الجيش مع أسلحته الثقيلة، وما كان من مجلس الأمن إلا التأكيد في بيانه على أهمية بقاء الجيش على الحياد...! وبقي جيشنا محايدا حتى تم اجتياح صنعاء... ومر اجتياح عاصمة البلاد بحياد و "بسلام" على ابن عمر طبعا، وقلة آخرين غيره، ولم يقل أو يفعل المبعوث الأممي النزيه شيئا ذا بال عندما حلت النكبة التاريخية بصنعاء واحتلت من قبل المليشيا، حينها كان السلاح الذي بأيدي الحوثيين أكثر من ذلك الذي طلبا منهم بكل وضوح وصراحة تسليمة من قبل...
خلاصة القول: أمضى بن عمر وقتا طويلا في اليمن، وبذل جهدا كبيرا، وكنا نتمنى أن نشكر جهده، لكنه كان يفتقد إلى النزاهة والمهنية والحرص الحقيقي على اليمن...
غير أن أمانة التاريخ تقتضي أيضا القول: إن بن عمر ليس وحده الذي يعاب في قلة الحرص على اليمن وافتقاره إلى قدر كاف من النزاهة كوسيط وميسر... كان المتواطئون والضالعون فيما آلت أحوال اليمن عديدون ، جهات وأطراف وقادة... نتيقن من ذلك عندما نتذكر كيف سقطت صنعاء ومن قبلها عمران)... انتهى الاقتباس... ولا نجادل في بعض ما أورده بن عمر في مقابلته المشار إليها أعلاه...
لكن هل كان بن عمر، حسن النية كثيرا، وصدق أن الحوثي سوف يعود إلى صعدة حسب ما حدثه بعض السياسيين "العباقرة" الذي وصفهم بالأغبياء!