بصراحة عن حرب 1994
كانت حرباً ملعونة، ولكن لماذا يتم الحديث عنها وكأنها الحرب الوحيدة في تاريخ اليمن!؟ ولماذا يراد لها أن تكون حجر الزاوية التي تهشّم الجسد اليمني الواحد؟ وكأننا لو لم تقع هذه الحرب لكنا في سلام منذ ألف سنة مضت وألف سنة قادمة!
لماذا يتم التغافل عن الحروب والصراعات الدموية والمعارك داخل الشطر الواحد قبل الوحدة؟
يكفي أن نتذكر حرب 13 يناير 1986 في عدن بين رفاق الحزب الواحد، وقبلها الصراعات الدموية بين الجبهة القومية وجبهة التحرير ، وتصفيات ونزوح مئات الآلاف من شطر قلبنا الجنوبي!
تماماً كما يجب أن نتذكر الحروب والصراعات في شطر قلبنا الشمالي:
الحرب الملكية الجمهورية التي طالت بسبب طويل العمر لمدة سبع سنوات 1962 _ 1969 ، بما في ذلك حرب حصار السبعين يوماً. ثم حروب المناطق الوسطى التي طالت لأكثر من عقد!
هذا كان عن بعض الصراعات والحروب في الشطر الواحد! أمّا الحروب بين الشطرين فحدّث ولا حرج:
كانت الحرب بين الشطرين في 1972
وكانت الحرب بين الشطرين في مارس 1979 حين وصلت طلائع القوات قادمة من أبين واكتسحت البيضاء حتى وصلت إلى مدينة رداع خلال يومين!
وتوحد الشطران في 22 مايو 1990
ومرّت مياهٌ كثيرة من تحت الجسر كما يقال خلال الأربع السنوات التالية لتنفجر الحرب عارمةً بين شركاء الوحدة في 4 مايو 1994 واستمرت سبعين يوماً!
صحيح أن علي عبدالله صالح بدأ المعركة العسكرية،
ولكنّ الحرب بمفهومها الشامل في رأيي كانت قد بدأت بين الطرفين المتنافسين منذ الشهور الأولى لإعلان الوحدة.
في رأيي ، وبالنظر إلى تاريخ الصراعات اليمنية البينية فإنّ حرب 1994 كانت في الأساس سبباً ونتيجة حربَ توحيد جيشَي الشطرين وهما الجيشان اللّذان لم يتم دمجهما بطريقة لا تدع لكل طرف أن يبتلع الآخر!
لا أقول أن الحرب اندلعت أساساً بهدف توحيد الجيش بل بسبب عدم توحيده من البداية!
أقول ذلك بغضّ النظر عن جريمة هذه الحرب ونتائجها ، إذْ لا يمكن لجيشين في دولة واحدة مثل اليمن إلاّ أن يتقاتلا! ولماذا يستغرب البعض ذلك إذا كان الجيش في الشطر الواحد قد انقسم على نفسه مراراً وتقاتل مع نفسه في الشطر الواحد قبل الوحدة!
سيقول أحدهم .. ولكن هذه وحدة تمت سلمياً ولا تجوز الحرب! وأقول له: كلام جميل! ولكن لماذا لم توحد الجيش أيها المتذاكي؟ لو كان الجيش موحداً لما اندلعت الحرب. سيتصارع السياسيون بلا جيوش! وإذا كنتَ تقاتلتَ مع نفسك في الشطر الواحد فلماذا تستنكر القتال مع شريكك في شطرك الآخر!
الحروب ليست جديدة ولا غريبة في اليمن وفي تاريخ العالم كله!
ولو تأمّلتَ لاكتشفت أن تطور وطبيعة المرحلة التاريخية اليمنية في ذلك الوقت كانت حاكمةً كصيرورة بدت لا فرار من نتائجها وفي رأس هذه الصيرورة للأسف الصدام الحتمي لجيشين في بلدٍ توحد لتوّه .. وهو في النهاية بلد من بلدان العالم الثالث!
وإذن، كانت حرب 1994ملعونةً بكل المقاييس لكنها لم تكن الحرب الملعونة الوحيدة! قبلها حروبٌ ملعونةٌ كثيرة، وبعدها حروبٌ ألعن! ولماذا ننسى الحرب التي عشناها ساعةً بساعة في اليمن وما نزال! حروب صعدة وصولاً لانقلاب 21 سبتمبر 2014 الكارثي وما تلاه من حرب التحالف على اليمن وفيه! وهي الحرب التي فاقت في مأساويتها وكارثيتها كل الحروب التي عرفتها اليمن منذ مئات السنين!
في تاريخ العالم لم تقم وحدة شعب بلا حرب وحروب من تاريخ ألمانيا وإيطاليا ودول أوروبا وصولاً إلى الولايات المتحدة الأمريكية وحربها التي استمرت 5 سنوات 1860 _ 1865 وسقوط ملايين الضحايا بين قتلى وجرحى وكان ذلك ضد انفصال الجنوب لسببٍ رئيسي هو إعلان الرئيس لينكولن تجريم العبودية وتحرير العبيد ورفض ولايات الجنوب لذلك وإعلانها الانفصال!
يجب أن تعرف أنّ دُوَل وشعوب العالم لم تكن متحدة ومستقرة كما تراها اليوم!
كانت هناك حروبٌ لمئات السنين
وكان مطلب المواطنة المتساوية في قلب هذه الحروب والصراعات هدفاً وسببا وأملاً ولعل ذلك الهدف العظيم أن يكون ذروة التقدم الإنساني والحضاري.
لو كل ولاية أو إقليم أو محافظة في تاريخ دُوَل وشعوب العالم انفصلت لمظلوميتها لما بقيَت دولةٌ أو شعبٌ على وجه الأرض!
كانت شعوبُ العالم المتقدم اليوم تكافح وتناضل وتقاتل من أجل حقوقها ومطالبها وفي ذروة هذه الحقوق والمطالب المواطنة المتساوية.
لم تنفصل بل تتصل وتكافح حتى تصل!
تاريخُ دُوَل وشعوب العالم المتقدم كما تراها اليوم هو تاريخ الصراع والكفاح من أجل المواطنة المتساوية.
والفارق بيننا وبينهم أن زعماءهم أخلصوا وفضّلوا مصالح شعوبهم على مصالحهم ومناصبهم! بينما نحن قتلنا كل من أخلص أو حاول! ونتقاتل على سلامة المناصب لا على سلامة بلدنا وكرامة شعبنا!
ثمّة فارقٌ ثانٍ وهو أن هذه الدول لم تكن في جزيرة العرب لحسن حظها! الجزيرة التي مازال بعض ملوكها ومشائخها يعتقد بالحكمة التافهة " قوّتي في ضعف أخي واكتمالي بتقسيم جاري "
وفارقٌ أخير لابُدّ من الإشارة إليه، وهو أنّ نُخَب أوروبا وأساتذة جامعاتها كانت طليعة كفاح شعوبها وتقدّمها، ووحدة بلدانها.
بينما نجدُ نُخَبَنا مجرد عبيدِ مرضى مناطقيتهم وأحزابهم وزعمائهم ولما هو أقل وأصغر: يقودهم مجرد سفير دولة أخرى أو لجنة خاصة!
وليس أدَل على عجائب النخبة اليمنية وخيبتها ما نشهده اليوم بعد أن تفاءلنا وبعد سنواتٍ مريرة انتظاراً للمخلّص الدكتور أستاذ الجامعة الرئيس الجديد فإذا به مجرد مشرفٍ على تقسيم بلاده وتمزيق شعبه!