استعادة الدولة، شعار فضفاض، قابل للتفصيل بمزاج العقلية، والناس تتابع وتترقب، بذاكرة ليست مثقوبة، تتذكر جيد كل مرحلة، وكل مأساة، وكل وجع، وتحكم، فعن أي دولة تتحدثون.
الحزب الاشتراكي اليمني قيم تجربته، واعترف بأنه كان مخطئا عندما انفرد بالسلطة، واستخدم العنف بإزاحة الآخرين، هي تجربة ليست ملك الاشتراكي وحده، تجربة الجنوب اليمني، ومآسي وأوجاع مرحلة عصيبة، دروس وعبر، فلا نحتاج أن نضحك على بعض، بحكايات الزمن الجميل، جماله لكم وقبحه لغيركم، ممن شردوا وهجروا ونهبت وأممت ممتلكاتهم، ولا يرغبون أن تعود مثل تلك الدولة، كما لا نريد أن يعود نظام 77، ونرفض ممارسات البغي اليوم، وعنتريات الزعامة والقادة، وشطط البندقية والدبابة، ما لم ينفع الاسكود والميج، لن تنفع مدرعة، اعقلوا وتعقلوا، فالحرب أكبر خدعة، أن دامت لغيرك ما وصلت إليك.
لا نحتاج أكثر من عقل، مستوعب لتجاربنا، فغاب هذا العقل، وحضر العند والجهل والعصبية، وما لا يهتم بتجاربنا وعبر الماضي، أكثر من اهتمامه بضغائنه وإثارته وأحقاده، وتصفية حساباته، فالحديث عن التنوع وأهمية الاختلاف في الرأي، حديث عبثي مع هكذا عقلية، كالحوار تحت حكم البندقية، من لا يخضع بالعنف يمكن شراؤه، وما أكثر مذاهب المنفعة والبراغماتية.
الاختلاف نعمة إذا ما وجد وعي يستوعبه، ليكن أداة تنمية، يثري حياتنا السياسية والاجتماعية، ونرتقي لنتعايش كأعراق وثقافات وجماعات سكنية مختلفة، لنشكل نسيجا بطيف جميل بجمال التنوع، نكمل بعض ، ونازر بعض، في السراء والضراء، ونكون مصدر خير وسلام لنا ولجيراننا، بندية نحفظ سيادتنا وقرارنا المصيري، ونرتقي وننهض لمستوى الأمم المحترمة.
اسودت الوجوه، حتى صار من العار أن تعاير، إن كان النظام السابق عميلا ونفوذه موظفين مع اللجنة الخاصة، فماذا نقول عنكم اليوم؟!، وأنتم بالمثل، دمى تحركها الأموال المدنسة، تؤدي أدوارا في مسرحيات هزلية، تتحرك وفق الأوامر والأجندات، تنقلها طائرات الشحن كبضاعة، وليست أي بضاعة تثير الفتنة وتسمم اللحمة، وتهدر الطاقات والمقومات، والتاريخ لا يرحم.
أي مشروع سياسي أو ثقافي، لا قيمة له، ما لم يقدم حق الآخر، ورأي الآخر، بل يدافع بقوة عن هذا الحق وهذا الرأي، دون ذلك هو مشروع صغير وحقير، لا يمثل غير جماعة أنانية، وعقلية استحواذية، ونفس مريضة، لا تبحث عن وطن يستوعب الجميع، بل تبحث عن سلطة تتمكن من خلالها إرغام الجميع لمشروعها، واي حر يرفض، يمارس فيه كل وسائل القبح الكامن، وكل أنا بما فيه ينضب.
الدولة التي تدعون أنكم تستعيدونها، وتطالبون من الآخرين أن يتحولوا لجنود في معاركهم العبثية، وكمبارس في مسرحياتكم الهزلية، ليس جغرافيا فقط، بل جغرافيا تسكنها جماعات سكانية حره، اتخذت من تلك الجغرافيا سكننا للعيش الكريم، شكلوا معا جغرافيا الجنوب واليمن، بمحاذاة امما أخرى في الجزيرة، فتكونت مستوطناتهم من قرون، منها الحضرية ومنها القروية، ولا ضير في ذلك، إذا أدرك القروي حقوق الحضري، وساعد الحضري في تحضر القروي، في معادلة تؤدي لتطور يجاري العصر، والمشكلة إذا ما انعكست تلك المعادلة نحو التخلف.
يبقى عليكم أن تدركوا أن لكل تجمع سكني خصوصية وارث ثقافي وسياسي واجتماعي، ولكل جغرافيا مميزات ومقومات، ما لم تدركوا أهمية ذلك ستقعون في المحظور، وللأسف وقعتم فيه، ولهذا تبرز أصوت ترفضكم، في حضرموت وعدن، في المهرة وأبين، في كل شبر في الجنوب في مناطقكم ستجدون صوتا يرفضكم، هذه الأصوات لها حق، وهي ناقوس تنبه أنكم لست على صواب، ولكم الاختيار في تصحيح المسار، أو المضي والاستمرار.
واقع عدن اليوم يضعكم في المسؤولية، وحضرموت تنظر لعدن، كما تنظر كل مناطق الجنوب لكم من خلال عدن، وتبحث عن النموذج، ولا تريد أن تسمع مبررات سخيفة، تحتقر العقول، وتخرج عن المعقول، قدموا نموذجا، واذهبوا به بفخر ليستقبلكم الناس بالأحضان، فعدن نموذج سيئ واسوأ مما هو متوقع.
اليوم حضرموت تجتمع لتدافع عن حقها، والمهرة تتصدى لأي غزو، وعدن تأن، وتحاول أن تجميع شتاتها، وأنتم تجمعون حولكم كل منفعي براجماتي، وتوظفون كل ما لا قيمة له في المواطنة، ما لم تدركوا احتياجكم لمواطنين، فالمواطنة شراكة في المسؤولية والمصير، والمنفعة تنتهي بانتهاء المصلحة، فتتحول لأحقاد، وتاريخنا غني بالتجارب والعبر، فهل تتعظون يا أوليا الألباب.