يصادف 9 يونيو، يوم الصحافة اليمنية، وهي تعيش تدهورا وتراجعا مفزعا، بسبب الانتهاكات التي ارتكبتها مليشيا الحوثي ضد الصحفيين والمؤسسات الصحفية، وأصبحت صنعاء بلا صحافة، وصنفت اليمن ضمن المناطق "الأكثر خطورة" على الصحفيين، وسجلت في المرتبة (168) من أصل 180 على جدول التصنيف السنوي، وفقا لمؤشر حرية الصحافة في العالم ل مراسلون بلا حدود، هذا العام 2023م، والذي وصفته بالترتيب المخزي.
يأتي هذا اليوم، للتذكير بحرية الصحافة وضمان تمكين الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام من ممارسة عملهم في بيئة حرة وآمنة، دون أي أعمال عنف أو تهديدات للصحفيين، والدفاع عن وسائل الإعلام المنتهكة والمنهوبة، نتيجة الاعتداءات المتكررة، ولنتذكر الصحفيين الذين فقدوا أرواحهم بسبب القنص المباشر والقصف بالمقذوفات واستخدام آخرين دروع بشرية في مخازن الأسلحة.
تأتي هذه المناسبة، والصحافة اليمنية تعيش أسوأ حالاتها، لا سيما في العاصمة اليمنية صنعاء ومناطق سيطرة الحوثي، ونستطيع القول إن الصحافة الفاعلة غائبة كليا، عدا المؤيدة لعنصريتهم، ونتيجة الحجم الهائل من الانتهاكات ضد الصحفيين والمؤسسات الإعلامية، وكانت الجريمة الأخطر قرارات الإعدام التي أصدرتها المحكمة التابعة للمليشيات بهدف إرهاب وتخويف الصحفيين بعد تعرضهم لشتى صنوف التعذيب والمعاملة القاسية ثماني سنوات.
في صنعاء، ماتزال سياسة تكميم الأفواه هي السائدة، وغياب المؤسسات الإعلامية الوطنية والمستقلة والحزبية غائبة كليا، وتمعن المليشيات الحوثية في ارتكاب الانتهاكات والجرائم التعسفية ضد الصحافة، وتستخدم القمع والعنف والاختطاف ضد كل صوت أو رأي حر يعارض معتقداتهم وأفكارهم الطائفية، وفي سياق سياسية التجويع والإفقار تنهب المساعدات الإغاثية مثل نهب المعونات الخاصة بموظفي صحيفة الثورة، وتنهب مرتبات الصحفيين، رغم العائدات المالية الضخمة التي تجنيها بعد نهب البنك المركزي، والسيطرة الكلية على إيرادات الدولة وفرض جبايات وإتاوات غير قانونية لتمويل مناسباتهم وطقوسهم السلالية.
تشرد ونزح المئات من الصحفيين والإعلاميين، بسبب المخاطر والمخاوف والملاحقة الأمنية والتهديدات الحوثية، المئات منهم يعشون وضعا اقتصاديا صعبا بعد توقف مرتباتهم، وآخرين سرحوا قسرا من أعمالهم بعد أن نهب الحوثيون المؤسسات الإعلامية والقنوات التليفزيونية والإذاعات والمواقع الإخبارية
ومكاتب القنوات الخارجية ومؤسسات الإنتاج وحجب عشرات المواقع الإلكترونية، وفرض قيود شديدة على حرية الصحافة، في انتهاكات صارخة لكل المواثيق والقوانين الدولية وحقوق الإنسان.
لم يعد في مناطق سيطرة المليشيات سوى الصوت الواحد والرأي الواحد واللون الواحد، بعد أن استبدلت المليشيات الكفاءات الإعلامية بعناصر سلالية لنشر ثقافة التمييز العنصري والتفوق العرقي، والتنصل من النظام الجمهوري ومبادئ الثورة وأهداف السادس والعشرين من سبتمبر المجيدة، لتغيير هوية المجتمع اليمني.
كفلت القوانين والمواثيق الدولية، الحق في حرية التعبير، المنصوص عليها في المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تبين بالمعنى الواسع الحقوق الإنسانية التي يتمتع بها كل إنسان، وحماية هذه الحقوق قانونيا بمجموعة من المعاهدات الدولية والإقليمية.
بموجب القانون الدولي الإنساني، فإن الصحفيين مدنيون لا يجوز أن يكونوا أهدافا للهجمات ما لم يشاركوا مباشرة في الأعمال القتالية. ويوفر القانون الدولي لحقوق الإنسان الحماية للحق في حرية التعبير، ولا يجوز اعتقال أو احتجاز أو معاقبة الصحفيين أو تعريضهم لإجراءات انتقامية بسبب ممارستهم لعملهم كصحفيين.
يؤكد دستور الجمهورية اليمنية على التزام الدولة بالعمل بميثاق الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمبادئ الدولية المصادق عليها بصفة عامة، وراعى الدستور اليمني هذا الحق عبر نص دستوري يقر بأن "لكل مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتكفل الدولة حرية الفكر والتعبير عن الرأي بالقول أو الكتابة أو التصوير في حدود القانون”.
ومن أهم الأحكام التي تضمنها قانون الصحافة والمطبوعات أن الصحافة مستقلة وتمارس رسالتها بحرية في خدمة المجتمع وتكوين الرأي العام والتعبير عن اتجاهاته بمختلف وسائل التعبير في إطار العقيدة الإسلامية أو الأسس الدستورية للمجتمع والدولة وأهداف الثورة اليمنية وتعميق الوحدة الوطنية، ولا يجوز التعرض لنشاطها إلا وفقا لأحكام القانون، وحماية حقوق الصحفيين، وتوفير الضمانات القانونية اللازمة لممارسة المهنة وحقهم في التعبير دون تعرضهم لأي مساءلة غير قانونية يكفلها القانون.
ما تزال قضية اغتيال الصحفي الاستقصائي محمد العبسي الذي قتلا مسموما في صنعاء 20 ديسمبر 2016م، بحسب تقرير الطب الشرعي بصنعاء، ومركز السموم الجرمية في الأردن الصادر في 5 فبراير 2017م "وتحاول مليشيات الحوثي إغلاق ملف القضية والتخلص من المطالبة بتشكيل لجنة تحقيق دولية لكشف ملابسات اغتياله.
يتعرض الصحفيون لحملات التحريض الممنهجة التي تقوم بها وسائل إعلام المليشيات، وتقضي توجيهات قيادتهم أن "حملة الأقلام والصحافة ورجال الإعلام أعداء يجب التصدي لهم ولخطرهم الذي يفوق القتال في الميادين"، وهو ما صرح به زعيم المليشيات بشكل واضح، في انتهاك لحرية الرأي والتعبير والنصوص والتشريعات اليمنية، وما نص عليه القانون الدولي الإنساني وجميع القوانين الدولية في حماية الصحفيين.
تعرض الصحفيون للاعتداء والضرب، في بتاريخ 21 يوليو 2021، من قبل المدعو أبو شهاب المرتضى (شقيق عبد القادر المرتضى، رئيس اللجنة الوطنية للأسرى التابعة لمليشيا الحوثي)، وعزلهم في زنازين انفرادية خاصة بالتعذيب الجسدي والنفسي، في سجن الأمن المركزي بصنعاء حيث يحتجز المئات من المدنيين.
وتكرر الأمر، في أغسطس 2022، حيث تعرض الصحفي توفيق المنصوري للاعتداء الجسدي والضرب على رأسه بعصا غليظة عدة ضربات، حتى كسرت جمجمته والتعذيب من عبد القادر المرتضى، ونقل مع زملائه إلى زنزانة ضيقة، ومنعوا من التواصل مع أقاربهم، ضمن سلسلة طويلة من الانتهاكات ضد الصحفيين والمدنيين.
تستغل المليشيات، القضاء والمحاكم لتصفية حساباتها مع خصومها خاصة الإعلاميين والصحفيين وإصدار قرارات وأحكام جائرة، تفتقر لأدنى معايير وإجراءات المحاكمة العادلة والتقاضي السليم، لإرهابهم وابتزازهم مع أقاربهم وأسرهم لنهب أموالهم، ومئات القصص محفوظة، وما تزال حاضرة معاناة الصحفي عبد الخالق عمران وهشام طرموم وحارث حميد وحسن عناب وأكرم الوليدي وعصام بلغيث وهشام اليوسفي وتوفيق المنصوري وآخرين.. في زنازين مليشيات إيران.
ذبحت الصحافة في صنعاء، وامتلأت منابرها الصحفية والإعلامية وشاشات التلفزة بمناسبات إيرانية وخمينية وصور سليماني وإيرلو، وتنامى خطاب الكراهية والتحريض على القتل والعنف وجنائز وقبور أطفال زجت بهم إلى الجبهات، وتزايد القمع والإرهاب لإسكات الأصوات الحرة وانتهاك حرية التعبير واختطاف وتهديد الصحفيين المناوئين لهم.
اعتمدت هيئات الأمم المتحدة قرارات وإعلانات والتزامات عديدة بشأن سلامة الصحفيين، ومنها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر في عام 2021 بشأن سلامة الصحفيين ومسألة الإفلات من العقاب، غير أن المليشيات ما تزال ماضية في نهجها وسلوكها الإرهابي ضد الكلمة الحرة، وفي الوقت الذي يسارع المجتمع الدولي لإنهاء الحرب وإحلال السلام في اليمن، ينتظر الصحفيون ضمان حريتهم وحمايتهم والانتصاف لهم وتحقيق العدالة، دون القفز على مظالمهم.