;
فضل الكهالي
فضل الكهالي

عندما تصبح سياسة الجلاد عقيدة الضحية 8936

2023-07-17 01:48:42

يمرّ اليمن بظروف صعبة واستثنائية وصراع ممزوج بالأماني الداعية إلى الحفاظ على وحدته، أرضاً وإنسانا وفكرا وقيماً وطنية حقيقية، مصحوبة بآمال موحّدة للتخلص من المليشيات التي أهلكت الحرث والنسل وعاثت في الأرض الفساد، على الرغم من التواطؤ الدولي المشحون بهجوم شرس للنيل من الشّرعية اليمنية والنظام الجمهوري الذي بات الشّعب في أمس الحاجة إليه اليوم أكثر من أي وقت مضى.

عندما يتم توظيف الخطاب في هذا التوقيت الحرج لمهاجمة النظام الجمهوري والطعن فيه، كفكر وثقافة، واليمن كحضارة. فمن الطبيعي أن يكون ردّ فعل الجمهوريين هو الدفاع عن كل لبنة في اليمن، باعتبار ذلك حجر الأساس في عملية الدفاع عن الهوية والقومية اليمنية، وبالتالي في الدفاع عن الوجود وأسباب الوجود أيضا، ولذا غدت عملية ترميم الحاضر وفق أسس جمهورية بحتة ضرورة مُلحّة، بل قضية مصير. كيف لا والنظام الجمهوري لا يصارع من أجل ذاته، بل من أجل حاضر اليمن ومستقبله، ومستقبل المنطقة بأسرها.

لقد استقى اليمنيون الفكر الجمهوري من ذاكرة الآباء واستمدّ آماله في إحياء القيم الوطنية من خيال الأبناء وتطلعاتهم. ومن البدَيهي أن تصبح عمليات التضليل السياسي التي نراها اليوم بدعة غير مستحبّة، فالشعوب، في العادة، تبني تاريخها النضالي تحت ضغط الحاجة إلى إصلاح. ومن المحبط أن نرى الواقع السياسي اليمني يتضخم سلبياً، وهذا معناه أن الرأي العام يتضخّم هو الآخر طردياً، فالبعض قد انحرف وذهب بعيداً عن القيم الوطنية مع غياب ملموس لأي مُؤشّرات إيجابية تحد من الحراك المُتخبّط الذي تشهده الساحة اليمنية والعربية والإقليمية، والذي حُجبت فيه الكثير من الآراء القويمة.

من الغريب طريقة تعامل المجتمع الدولي مع الشّرعية واستثماره للتراكمات الناشئة عن عملية تشتيتها وتغييبها عن المشهد الداخلي والخارجي للبلد لخدمة أهداف بعض النافذين. فعندما يتعلق الأمر بالأوضاع المعيشية للشّعب كانت الشّرعية دائما بوضع الملعونة إن هي فعلت والملعونة إن لم تفعل، بالرغم من أن تغييبها عن العمل الإداري الداخلي قد تم قسراً، إضافة إلى عدم تهيئة المناخات الملائمة التي تكفل ممارسة دورها الحقيقي، لا سيما في ظل عملية تفريخ المزيد من القوى الداخلية، والغاية خلق شتات سياسي تتضارب فيه المصالح، إلى درجة أن بعضها لم يحدد أين يقع ولاؤه الحقيقي بالضّبط، ومثل هذا الأسلوب يتم اتباعه لجعل سياسة الجلاد عقيدة للضّحية.

وفي ظل المتغيرات الحالية، نلاحظ وجود تعمّد لإبقاء الباب مفتوحا على مصراعيه لنمو أشكال جديدة وحديثة من الاستبداد القائم على القهر والجور أكثر مما كان عليه في الماضي. فالمليشيات تسعى إلى الحفاظ على شكلها الغوغائي في ظل عبثها بالمضمون، ولأنها لا تعترف بأيّ شكل من أشكال الديمقراطية فإن سيطرة الأفراد على مشاعرهم النبيلة في مناطق سيطرتها شبه محدودة بحكم الضغوط التي تفرضها عليهم والتي حجمت آمالهم وحتى طرق تفكيرهم، علاوة على الثقافة السياسية الأشدّ ضعفاً والأكثر تعصباً، التي تجعل الدائرة التي يدور فيها السّواد الأعظم من البائسين أكثر انغلاقا.

من المؤسف القول إن تدمير الشّرعية سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وتشتيتها في مشارق الأرض ومغاربها ما زال جارياً على قدم وساق، وكأنّ مراكز القوى تقول: لقد دفعنا اليمنيين المفضلين لدينا إلى النقطة التي نريد، أو بمعنى آخر "لقد سلمنا اليمن ليمنيينا نحن، وهذا معناه تخوين أصحاب القضية والزج بالعنصريين والمتطفلين السياسيين في صراع لا يعلمون عواقبه.. وما لم يتم تدارك الكثير من الأمور فإن آثار الخطر سيتضاعف وتتضاعف معه الكلفة.

فالمتتبع للصراع اليمني منذ البداية سيلاحظ أن قوات الشّرعية تعرّضت لمحاولات إرباك كثيرة، أغلبها مُتعمّدة، بهدف تهميش قدراتها الحقيقية، بينما كانت القوات المليشاوية تنتشر بكيفية مريبة تتخطى قدراتها.. وهذا الاختلال في الموازين أربك الأطراف المشاركة في الصّراع، وأصاب اليمنيين في مقتل، بل وحجّم آمال الداخلين في الصّراع، وقلل طموحاتهم في أمن وأمان دائمَيْن، وهذا هو المغزى من توفير الغطاء الدولي للمليشيات في مختلف المحافل الدولية.

لقد شهدت الحرب منعطفات خطيرة عدة منذ البداية، وكلما أوشكت جماعة من يطلقون على أنفسهم "أنصار الله" على استنفاد قواها، سرعان ما كان يتحرّك المجتمع الدولي لرمي طوق نجاة جديد وانتشالها ممّا تعاني منه وإغراق الشّرعية في دوامة جديدة، لتبدأ مرحلة أخرى من مفاوضات عبثية يتمّ من خلالها تلميع دور الجماعة وتضخيمه في محاولة لإعادة تشكيل الصّراع ليظهر على هيئة صراع ثقافي ومن ثم صب مضمونه السياسي والطبقي في القوالب نفسها التي يتمّ صبها في أعماق المواطن اليمني الغيور تدريجياًـ في محاولة لإرغامه على القبول بواقع لا يستسيغه. وبهذا يتم تحويل القضية شكلياً في المحافل الدولية إلى كلام مجرد، وتوظيف المتغيرات في تأمين مستقبل الجماعة، لا النظام الجمهوري.

إن خطورة الوضع في الوقت الحالي تكمن في محاولات تكييف متطلبات النظام الجمهوري اليمني مع متطلبات استمرار الجماعات التي لا تعترف بالجمهورية ولا حتى بالنظام من الأساس، بمعنى أنها تسعى إلى إعادة بناء كيانات تتماشى مع الشكل الذي يستجيب لمتطلبات حاضرها، وبالصورة التي تجرّ اليمنيين أو بالأحرى تجبرهم على تغيير مواقفهم ومبادئهم نتيجة الضغوط التي تفرضها عليهم تلك الجماعات بإشراف من مبعوثي الأمم المتحدة أنفسهم.

وإذا ما دخل أبناء هذا الشّعب في هوة النسيان العميق، وتمت مصادرة حرّيته فسينسى مع الوقت كيف يستيقظ لاستعادتها، وسيقبل على نفسه الخدمة الإجبارية إلى أن تتحول طقوس يؤديها بتلقائية، لدرجة تجعله يظن أنه لم يخسر حريته بل ربح عبوديته.. حاله كحال بقية البشر الذين يخدمون مكرهين ومقهورين بداية الأمر بالترهيب والنزر اليسير من الترغيب، غير أنّ الأجيال اللاحقة، والتي لم يسبق لها قط أن ذاقت طعم الحرّية، بحكم أنهم سيولدون مغلولي الأعناق، وسيتغذون وينشؤون على العبودية، من دون أن ينظروا إلى أفق أبعد من المرسوم لهم، فيكتفون بالعيش كما وُلدوا، أي أنه لن يخطر ببالهم أبداً أنهم سيرون أكثر مما وجدوا أنفسهم عليه.. وهُنا الخلل.

سياسياً وأخلاقياً، وفي الأنظمة الجمهورية تعدّ الحقوق، بأنواعها، بما فيها حقوق الإنسان والحياة الكريمة وحرّية التعبير، من "الحقوق الطبيعية" التي تشكلت الدولة على أساسها، وبالتالي فإنها تعدّ أساساً للمنظومة السياسية التي تُحدّد دون غيرها نطاقها، وأي تلاعب بالأسس المنظمة لها يندرج ضمن المؤامرات التي تُحوّل البلد إلى فريسة للمخططات الدولية، خصوصاً إذا كانت تستند إلى موجهات مذهبية مُستمدّة من نظام كالنظام الإيراني الذي يفرض العالم على دول المنطقة التقارب معه، بل وإشراكه في صناعة القرار السياسي للمنطقة، لغاية في نفسه. ليس هذا فقط، بل إن مراكز القوى تركت إيران تتفرد بصناعة واتخاذ القرار على مستوى المنطقة، وكأن الجميع أتباع لدولة الملالي، لا أصحاب قرار حتى في ما يتعلق بشئون بلدانهم الداخلية.

يجب على الشّرعية ألا تذهب إلى حيث تأخذها الطريق، بل ترك أثر أو آثار لها في كل زمان ومكان، لأنها أكثر من يعرف أن ما تستطيع أية مليشيات ترسيخه في أذهان الناس لا يتعدّى جعلهم رهائن للخوف الدائم، وإيهامهم بأنهم ضحايا لمؤامرات عالمية، وأن الخلاص لن يكون إلا لمن يساند تلك المليشيات في استعادة ما تطلق عليه "الأمجاد" غير الموجودة حتى في خيالات وأفكار رموزها -مصورين ومتصورين- فطبع الجماعات المنغلقة لا يرتقي بها إلى مستوى التفكير السوي، وهذا ما يجعلها أدنى من أن تصنف سياسياً، وطعنها في ماضي غيرها أو بالأحرى في كل ما يروى عنهم دليل على ذلك، فهي تتخذ منه ذريعة لاتباع أبشع الأساليب بحق الشعب في محاولة لفرض التصورات التي تريدها، والتي تسعى من خلالها إلى تصوير تجاربها الفاشلة على أنها "خطط عمل" أو "نقلات نوعية" بكلّ ما تتضمّن من انتقاءات واختزالات لا تعكس رواسب الماضي ولا تعبّر بأي شكل من الأشكال عن الحاضر، وهذا ما ينذر بكوارث لا حصر لها ولا عدد في المستقبلين القريب والبعيد، على الصّعيدين الداخلي والخارجي.

*المصدر أونلاين

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد