ما إن تحل ذكرى ثورة الـ26 من سبتمبر، والتي انطلقت بإرادة يمنية ثورية تحررية للقضاء على الحكم الإمامي الرجعي، إلا ويسارع الشعب اليمني بكل فئاته للتعبير عن تمسكه بخيار الثورة والجمهورية بمختلف وسائل التعبير المتاحة، خصوصا في ظل ما يواجهه النظام الجمهوري من تحد حقيقي جعل الثورة والجمهورية على مفترق طرق، وتأكيد ولائه للثورة والجمهورية.
لم تكن ثورة 26 سبتمبر مجرد انتفاضة عابرة، بل كانت ثورة حقيقية تحمل رسالة قوية ضد الاستبداد والظلم. وقد جمعت هذه الثورة أطيافًا مختلفة من المجتمع اليمني، لكنهم كانوا متحدين برغبتهم في الحرية والتقدم.
أحد أهم الأسباب التي أدت إلى اندلاع هذه الثورة هي النخبة المتعلمة والمتنورة التي أشعلت شرارة الثورة، والتي تلقت تعليمها في الخارج وعايشت تجارب البلدان المتقدمة. وكان لديهم رؤية مختلفة في تطلعاتهم لليمن المستقبلي، مقارنة بالوضع الذي كانت تعيشه البلاد تحت حكم الأئمة.
نظام الإمامة الذي حكم اليمن لعقود طويلة لم يكن مجرد نظام سياسي، بل كان يهدف إلى تجهيل الشعب وإبقائه في الظلام. وقد تلاشت في ذلك الوقت العديد من المعالم الحضارية لليمن، حيث قام الأئمة بحرق الكتب التي تحمل تاريخ البلاد وإسهاماتها في الحضارة. بالإضافة إلى ذلك، كانت خيرات البلاد تذهب لصالح الأئمة فحسب، وكان الشعب يعيش في ظل قمع واستغلال لا مثيل له.
ثورة ٢٦ سبتمبر جاءت لتغير هذا الواقع المرير. حيث نشرت في أذهان المواطنين الوعي بأهمية تاريخهم وتراثهم العريق، ودفعتهم للدفاع عن حقوقهم وكرامتهم. ولاقت التظاهرات الطلابية التي نظمتها الجماعات اليمنية في الخارج استحسانًا كبيرًا، حيث جذبت انتباه العالم الخارجي إلى الوضع الكارثي الذي كانت تعيشه البلاد.
كما أدت ثورة 26 سبتمبر إلى تغيير وجه اليمن على المستويين الداخلي والخارجي. فبالنسبة للداخل، أثارت الثورة الوعي بخطورة الإمامة وخططها لإبقاء الشعب مستضعفًا ومستعبدًا. وجعلت المواطنين يتحدون بشجاعة ويصرون على الدفاع عن الحريات المكتسبة وإسقاط الاستبداد.
أما على المستوى الخارجي، فقد أجبرت الثورة أعداءها على الاعتراف بقوتها وصوتها. فالدول العظمى وقوى الاستكبار كانت مضطرة لإجراء تصريحات ومواقف رسمية تتعامل مع الحركة الثورية اليمنية. وقد تنبّهت الدول المتقدمة إلى أهمية الثورة ودورها في تحرير الشعب اليمني من جحيم الاستبداد والظلم.
بهذه الطريقة، أثبتت ثورة 26 سبتمبر قوتها وأهميتها في تغيير واقع اليمن وخطف الأنظار إلى معاناة الشعب اليمني. وتبقى هذه الثورة معلمًا للشجاعة والتحدي في وجه الظلام، ومحطة تاريخية هامة في تطور الشعب اليمني نحو الحرية والعدالة. فثورة النور ضد الظلام تستحق أن تبقى محفورة بأحرف من ذهب في ذاكرة التاريخ اليمني.