وصل الدكتور رشاد العليمي واللواء عيدروس الزبيدي إلى الولايات المتحدة الأمريكية، التي تضم خمسين دولة متحدة، قادمَين، ليس من بلدهما الذي مزقه حُمق الساسة وضحالة القادة، والتدخل الخارجي، وإنما من السعودية، أكبر بلدان الشرق الأوسط، التي وحدها عبدالعزيز آل سعود، القائد العربي الفذ، ويحافظ عليها الآن السعوديون، بكل حزم وعزم مثلما فعل أسلافهم على مدى مئة عام.
قَدِم القائدان اليمنيان- وأرجو أن يكونا جديرين بهذه الصفة- من بلد عربي، يشترك مع اليمن في حدود طويلة، ويشابهها في أشياء كثيرة، فالشعبان، اليمني والسعودي، جاران وأشقاء عرب، ويفترض أن يتعلم قادة اليمن، من اعتزاز السعوديين بوحدة وطنهم وتمسكهم بذلك على نحو صارم، ولكن يبدو أن أحدًا من قادة اليمن لم يعد بإمكانه أن يتعلم.
وهاهما الآن؛ الزبيدي، والعليمي، في أمريكا؛ البلد الضخم الذي وحده قادة أفذاذ؛ وصار أعظم دولة في العالم، وفي التاريخ، وهي لا تخلو من مشاكل وتحديات وخلافات؛ الآن، وسابقاً، وفي المستقبل بالتأكيد؛ وعلى الرغم من تفوقهم، في أكثر المجالات، فإنهم لا يدَّعون الكمال، مثل ما قد يحصل كثيراً في عالمنا العربي كثير الادعاءات والمزاعم، غير أنهم يعضُّون على وحدة أمتهم متعددة الأعراق والأديان، بالنواجذ، وعندما تعرضت وحدة أمريكا للخطر، قاتل عليها الأمريكيون، ودافعوا عنها بحزم؛ وقال الرئيس إبراهام لينكولن: لن أخون الدستور الذي أقسمت عليه، ودفع حياته، في سبيل مبادئه ووحدة أمته، ومثله مئات الآلاف من الأمريكيين.
ومثلما حافظ لينكولن على وحدة بلده، يحافظ الأمريكيون على احترامه ورمزيته ومحبته، وتعلو نصبه التذكاري في العاصمة واشنطن هذه العبارة (في هذا النصب كما في قلوب الشعب الذي أنقذ الاتحاد من أجله، تتخلد ذكرى إبراهام لينكولن إلى الأبد).
قد يحتاج العليمي والزبيدي؛ إلى جولة خاصة في ربوع أمريكا، ليلمسا عن قرب نتاج أعمال وأدوار القادة الكبار، ولا بد أنهما يعرفان حقائق عن وحدة بلدان كثيرة أخرى؛ من البلدان العظيمة في المكانة والأدوار والمساحات الشاسعة وتعدد أجناس وأديان ولغات مواطنيها، وقد يدرك العليمي والزبيدي، أن من العار عليهما تقزيم بلدهما الصغير، اليمن، (555 ألفا كم مربع) قياسا إلى أقرب جيرانهم السعودية (2 مليون كم مربع).
وقد يدرك السيد الزبيدي، أن كل الدول والشعوب، عانت وتعاني من مشاكل ومظالم واختلالات شتى؛ في أمريكا والهند والصين وروسيا وغيرها من بلدان العالم، وفي بلاد العرب أيضاً، لكن القادة العظام، يحرصون على وحدة بلدانهم أولاً، وفي نفس الوقت، يعملون على معالجة قضايا وطنهم ومواطنيهم، بما يحقق العدل والإنصاف.
وملاحظة قد تكون مهمة؛ يمكن للواء الزبيدي، زيارة ميدان ( Lafayette square ) في واشنطن العاصمة، حيث تقع صور الرؤساء الأمريكيين، وسيلاحظ، أن أعظم رئيس في تاريخ الولايات المتحدة، إبراهام لينكولن، فضل أن يكتب تحت صورته، واحدٌ من كثير!
وأعرف أن الزبيدي شخص محترم على المستوى الشخصي، وإن كنت أخالف مشروعه، على نحو مطلق؛ وهو مشروع لا يشرف الكبار .
أما الدكتور العليمي، فآمل أن يهتم بالحفاظ على وحدة بلده بكل حزم، قبل الاهتمام بالحفاظ على وظيفته الجديدة ومباهجها، التي لا تشرف أحدًا ولا تعني شيئا، دون كرامة ومكانة واحترام لكل ما يتعلق باليمن الواحد الكبير.
وليس هناك من حال بائس ومحزن، أكثر من أن يأتي الرئيس ونائبه، في وفد واحد، وكل منهما يتبنى مشروعًا مغايراً لمشروع الآخر إزاء وحدة بلدهما؛ هذا في حال أن الدكتور العليمي ما يزال متمسكاً بوحدة اليمن واستقلاله وسلامة أراضيه، وهو لم يعد يؤكد ذلك أو يشير إليه، للأسف، وإنما تأتي منه إشارات وقرارات ومواقف مغايرة.
ويبقى السؤال: لماذا أتى العليمي بالزبيدي معه إلى أمريكا، هل ليقنعه بمحاسن الوحدة، أو يعطيه فرصه للترويج للانفصال؟
وإذا كان الزبيدي سوف يروج للانفصال؛ فإن العليمي لن يطالب بدعم اليمن الواحد وهو لم يفعل ذلك منذ تعيينه رئيساً لمجلس الرئاسة منذ عام ونصف.
ولعلي لا أطعن هنا في وطنية العليمي، لكنه يجاري الزبيدي، كي يستطيع البقاء معه في عدن، وقد مكن التحالف الزبيدي من السيطرة على عدن ليبقى الجميع تحت رحمته؛ مثل الذي بقوا تحت رحمة "السيد" في صنعاء، لكنه في النهاية لم يرحمهم!
وسبق للزبيدي ولم يرحم عبدربه ولا بن دغر من قبل، في عدن!
ولا حاجة للعليمي أو غيره للبقاء في عدن، ما دام دوره سيقتصر على تيسير وتسهيل عملية الانفصال، وخير له أن يبقى في أي مكان آخر متمسكا بالوحدة، وليس في عدن ميسراً للانفصال.
والحقيقة فقد عرفنا الدكتور العليمي موظفاً كبيراً جيدا، في صنعاء، وكنا نظن أنه قد يكون قائدا جيداً أيضاً، فهل سيثبت ذلك؟ الحقيقة؛ إن الدور والمواقف لحد الآن، مخيبة، ومع ذلك ننتظر، ولو قليلا، ونرى!
ولعل الدكتور العليمي يدرك الفرق بين الموظف والقائد، خاصة في الظروف الاستثنائية التي تتطلب قادة استثنائيين، وليس موظفين حتى وإن كانوا موظفين جيدين!