للعام الثاني، تشهد محافظة مأرب، عرضا عسكريا بهذه الفخامة والضخامة، بمشاركة وحدات رمزية من الجيش والأمن، وسرايا نوعية ووحدات فنية وتخصصية، تمثل مختلف المناطق والمحاور والهيئات والدوائر العسكرية وصنوف القوات.
هي المرة الثانية، والعام الثاني، نقف فيها في هذا الموقف المُهاب في هذا اليوم السبتمبري العظيم والشهر المجيد وعلى هذه الأرض الواعدة.
يعجز اللسان والحروف عن وصف شعور الفخر والزهو والانبعاث النضالي المتدفق من وسط الصفوف المرصوصة، تغمرك إيمانا وتملأ قلبك يقينا وتمنحك طاقة هائلة من المعنوية.. حالة من شموخ وشجاعة النسر الواقف على أكتاف الرجال؛ وصلابة وقوة ذلك الطير الجمهوري المحفور على جبين خير الأجناد.
أبطال يقفون كأوتاد، يرتلون نشيد الوطن ويتعهدون بالفداء والوفاء لعزته وكرامته.. يسيرون كسيل هادر، بهمم فولاذية وهامات راسخة كأعمدة سبأ.. يبعثون الروح الوطنية في الوجدان والقلوب.. ويرفدون منسوب الولاء ويحيون جذوة الانتماء. كلهم ثقة بأنفسهم وسلاحهم وقيادتهم وعدالة قضيتهم.
خفقان أقدامهم التي تهز الأرض الواعدة تزلزل أوكار الحاقدين وتقرع فوق رؤوس الشر والخراب وتدوس على أطماع المتربصين..
تبعث الخوف والرعب في قلوب الأعداء وتسلب العملاء الراحة والهدوء وتسرق النوم من عيون الخائنين.
خطوات موحدة، وأكتاف متعاضدة تسند بعضها بعضا، تؤكد تماسك وصلابة المؤسسة العسكرية، وتعيد للجيش اعتباره وهيبته التي أُهدرت جهلا وظُلما.
الهندام والقيافة المنسقة تحكي الاعتزاز بالشرف العسكري الأسمى، ومستوى الانضباط والضبط والكفاءة لقلعة متينة، ظلت وحدها مؤسسة الدولة قائمة ومتماسكة حين تهاوت كامل المؤسسات.
دلالات المكان والزمان تعطي هذا الحدث أهميته ووهجه، بالنظر إلى تشابك الظروف وتعقيدات المرحلة.
يعود سبتمبر المجيد كصباح جديد.. يصنع ضوؤه أحفاد الثوار الأوائل، يمضون بخطى ثابتة على صراط الكفاح، حاملين راية الجمهورية اليمنية، ليُعيدون لثورة الحرية والكرامة وهجها ومعناها.
إنه استعراض القوة والبأس السبأي، الكبرياء ورباطة الجأش، الجلادة والجدية، في مثل هكذا موقف.. تقليدُ سنوي وفرصة لليمنيين أن يروا جيشهم وأمنهم وحراس شرفهم وأن تقر أعينهم وتطمئن قلوبهم بهذه الصورة المبهجة والمبهرة.
ينام المشردون والنازحون في خيامهم آمنين فعيون الأبطال تحرسهم وإخلاص القادة والأبطال يحفهم بالسكينة.. وينام كل يمني في المناطق المحررة والمُحتلة مطمئنين بالوعد الحق ونصر موعود يلوح من الشرق.. ينتظرون نهار الحرية الذي تشرق شمسه لتبدد رجس الظلام وتمحو أنجاس الظلم الجاثم على الصدور.
هذه هي مأرب، أرض الأمجاد، كانت ولاتزال الرصاصة الأولى في قلب الكهنوت، العمود الصلب للجمهورية واليمن الكبير، يرقد في بطنها عبدالمغني والذيباني، والوائلي وشعلان، والشدادي، والجرادي، والحرملي، وظفر، والعصيمي، ويتوسد ترابها حوالي 60 ألف شهيد، ويقف على أسوارها أخيار القوم وأصلب الفرسان.
كان العدو الحوثي يعلن كل يوم ساعة الحسم المزعومة ويمني عناصره وصفوفه بتمر مأرب، وكان أصدقاء وقوى دولية تنتظر لحظة سقوط ما تعتبره آخر القلاع اليمنية أمام زحوفات وحملات الفارسيين وفق حسابات ومعادلات عدم تكافؤ السلاح والقوة والعدد والعدة، لكن الجيش والرجال استطاعوا كبح جماح عدوهم المتغطرس، وأثبت الأبطال أن الانتصار والحسم حليف من يمتلك قوة الروح وقدرة الثبات والقضية العادلة والغايات النظيفة. النصر أصاحب الحق والأرض والبأس الشديد.
أثبت جيش الوطن أنه القادر والضامن وحده استعادة الشرف للأمة اليمنية والعروبية، بل والإسلامية، التي كانت تمسك على قلوبها بانتظار مئالات قادسية مأرب، أم المعارك.
هيأ الله للأمة قادة عظماء، ملأ قلوبهم صبرا وعزما، ومنحهم حكمة وحنكة وطاقة لتحمل أثقال تنوء بحملها الجبال والجمال.
نقول بملء الفم وبكل فخر وغرور، هذا هو جيشنا وتلك هي قواتنا.. القوة التي لم تُغلب ولم تُقهر، وستكون الغالبة القاهرة للأعداء.