ثورة الربيع العربي، كانت حاجة ملحة لاستعادة بوصلة المعركة الوطنية للأمة، بعد أن شعر المواطن العربي أن ثوراته التحررية تربع عليها أصنام تديرها استخبارات الأعداء، وبدأت تتشكل أنظمة أسرية، تريد أن تجعل من الأنظمة الجمهورية ممالك خاصة، والأوطان زرائب يديرها راعي من رعاة تلك الاستخبارات، وكم كلب، يراد من الشعب أن يكون مجرد قطيع.
لم تكن عفوية، بل هي حاجة فرضتها الظروف الموضوعية، وتشكلت الظروف الذاتية لانطلاقها، من وعي ثوري، وثقافة التغيير، وتحول منشود، يستعاد فيه حق الناس في إدارة شؤونهم بعيدا عن الوصاية، وهذا ما أزعج الرجعية العربية، والأسر الحاكمة الإقطاعية، وهمت بكل وقاحة لإنقاذ أدواتها من السقوط.
لا يمكن للحوثي أن يغزو صنعاء وبقية المدن اليمنية دون دعم إقليمي أو دولي، وفي أقل الاحتمالات كان مدعوما لغرض خلط الأوراق، وإنقاذ نظام عفاش، بدليل تحالفه مع عفاش، وهي الفرصة التي التقطها الحوثي، لينقلب على الجميع بما فيهم حليفه الرئيسي الذي سلمه كل مفاتيح مخازن السلاح والمال والسلطة.
وهذا ما أربك المشهد على الجميع، مما اضطر الأسر الحاكمة في الإقليم للتدخل العسكري، حينها انتقل التدخل الخارجي من تحت الطاولة لفوق الطاولة، وانفتحت أغطية البالوعات، وانطلقت كل الروائح النتنة والعفن، وكل الفيروسات الضارة، وبرزت الأطماع واستفحل الفساد، وتشكلت أدوات العمل، وتم توظيف ما يمكن توظيفه، من تناقضات وأدوات رخيصة، وضمائر فاسدة، في سوق كان قد استفحل بأنظمة مرتهنة وفاسدة، تتوفر فيه الأدوات الرخيصة.
لم يتدخل العالم المنافق وأدواته الإقليمية من أجل سواد عيوننا، وأخطأت القوى الثورية بالتسليم والارتهان على هذا التدخل، والنتيجة ما نراه اليوم، ونعاني منه.
صار الفساد سيد الموقف وبكل بجاحة، نهب بسط واستحواذ واستئثار بالسلطة والثروة، وتوحش الاستبداد، وتم عسكرة الحياة السياسية والعقائدية، عسكرة المذهب والفكر والمعتقد، وصارت البندقية منفلتة تحمي المصالح والأطماع والأنانية، وغابت الوطنية، وغاب معها روح السيادة والإرادة، فلم نجد سوى أدوات الموت والانتهاك والسجون السرية، نهب الأراضي والمتنفسات، تدمير البنية التحتية، وتعطيل المرتكزات الاقتصادية، السيطرة على الموانئ والمطارات ومصادر الثروة، تجويع الناس، حرمانهم من أبسط وسائل الحياة والخدمات، مخطط استخباراتي خبيث وإجرامي، وجد البعض نفسه أداة من أدوات ذلك المخطط .
ما نشاهده اليوم هي إعادة صناعة الأصنام، وإعادة تشكيل أدوات القطيع، وشعب مقهور ومنحوس، وهو يشاهد أدوات المذهب ودعاة الفضيلة، يتحولون لمجموعة عسكر تحمي الأطماع، ويشاهد السياسيين وخطابهم العقيم المناطق القذر والطائفي القبيح، والعنصري البغيض، والكل انغمس في المال المدنس، واستلذ طعم الحرام، في دفاع مستميت عن مصالحهم ، إلا الوطن صار وحيدا، والقلة القليلة التي تصرخ وتواجه هي عرضة للاستهداف، للإقصاء والتهميش، في محاولات لإخراجها عن المشهد، وللأسف الأغلبية الصامتة لم تتحرك بعد، وفيها الأمل أن تحركت ستقلب الطاولة على كل هذا العفن.
لن تقوم لنا قائمة، لا إذا استشعر الجميع بالخطر، وتشكلت جبهة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من وطن يتعرض لشتى وسائل التدمير، ومواطن يتعرض للإذلال والمهانة، جبهة إنقاذ من كل الصامتين والصابرين، أصحاب القيم والمبادئ والأخلاقيات، في مواجهة من سقطوا لإسقاط وطن، والأوطان لا تسقط، والشعوب لا تموت، وقدرها أن تنجو، وستنجو مهما كانت حجم المؤامرة.
* يمن مونيتور