عملية طوفان الأقصى، هي الصدمة التي أتت في وقتها، لتعيد روح ومسار مشروع الأمة الذي بدأ يتأرجح في أرجوحة التطبيع، ومشروع الاستعمار الاستيطاني، ما بين الشرعنة والملعنة التي بدأ يستخدمها الصهاينة العرب، في محاولة إعادة تقسيم النفوذ في العالم العربي والإسلامي، على أساس تسامح الأديان، والاختراع الجهنمي للصلاة الإبراهيمية، التي انطلت على عقول البعض، وتماهى معها أصحاب المشاريع الصغيرة، مشاريع التقزيم التي فقدت شعبيتها، وتبحث اليوم عن دعم خارجي حتى وإن كان من بني صهيون.
إذا كان تقاسم النفوذ العربي والإسلامي قبل مائة عام قد تم برغم إرادة الأمة، وفي حقبة مظلمة من تاريخها، وهي في حالة ضعف، فإن تقسيم المقسم لن يمر بتلك السهولة، معاناة مائة عام كافية لتصحو الأمة، ويتصلب عودها، وتعرف عدوها من صديقها، مائة عام والحكام ليس لديهم غير الشجب والتنديد، ومؤتمر يتلو مؤتمرا والوصاية جاثمة على كل المؤتمرات، وأي صوت عربي يغرد خارج الوصاية تم تصفيته، وأمن بني صهيون بعد تدمير العراق وسوريا وليبيا واليمن وتونس، وانشغال مصر في مشاكلها الداخلية وجسر النهضة، اعتقدوا أن الأمة العربية والإسلامية على سرير الموت، الاعتقاد الغبي الذي يتنافى مع أن الأمة تمرض لكن لا تموت.
وكيف تموت أمة وهي تنجب كل يوم ملايين من الدماء الجديدة والطاهرة، أولاد تربوا على القهر والضيم، على الصراع من أجل البقاء، والدفاع عن الأرض، يلد كل منهم وهو يحمل مشروع آبائه وأجداده، وأول ما يتعلم هو رمي الحجارة، كبرت العيال وكبر حلمهم باستعادة أرض آبائهم وأجدادهم، وكبرت عقولهم وتطلعاتهم، وكبر سلاحهم، وها هم اليوم يقدمون لنا ملحمة تاريخية لقنوا فيها الصهاينة درسا لن ينسوه، وطوفان سيغير من مجر التاريخ، ونحن على ثقة من ذلك.
يكفيني كعربي ومسلم، أن أرى الصهاينة في هذا الانكسار والضعف، وارى الإمبريالية العالمية والرجعية العربية تحشد كل قدراتها لإنقاذ حلفاؤها بني صهيون، في معركة بين العالم المنافق، الاستعمار القديم والجديد، وفي الطرف الآخر قوى تحررية تواقة للحرية والاستقلال، تدافع عن حقها في الحياة بكرامة وعن أرضها وشرفها، أصحاب الحق في مواجهة الباطل أن الباطل كان زهوقا.
ومن المعيب اليوم أن يفكر عربي مجرد تفكير في إدانة حماس وكل فصائل المقاومة الفلسطينية، وأي مقاومة اليوم تنادي باستعادة الأرض العربي المغتصبة، وكل مسلم لا ينتصر لآخوه المسلم، ويصنف حماس أو غير حماس تصنيفات غبية قد خبرها العقل الفطن، ولم تعد تتقبلها غير العقول الصغيرة والحقيرة.
اختتم بالقول هنيئا للشعب الفلسطيني والشعب العربي وكل مسلم هذا الانتصار، الذي سيكون له ما بعده، لا تهتمون للقصف، فكل غارة تزيد الأمة إصرار وبسالة، وكل طفل أو امرأة أو كهل يسقط شهيدا، هو فخر للأمة وعار في جبين الصهاينة وحلفاؤهم، والنصر قريب بإذنه تعالى.
* يمن مونيتور