ما يحدث من انقسام اليوم بين صفوف أبناء عدن، شيء مؤسف ومخجل، يبرهن أن البعض ما زال قابعا في تلك الصراعات، لم يستوعب دروسها وعبرها، ولم يفهم خفاياها، ولم يعي بعد أنها فتنة تستهدف عدن، لتضعف قواها الحية، وتفكك مجتمعها المدني، لتفل منارتها، وبدلا من أن تبقى كما كانت، حضن التعدد السياسي والثقافي والعرقي، أريد لها أن تكون حلبة لصراع القوى المتخلفة، والتعصب الأيدلوجي والعقائدي والعرقي، وها هي اليوم تسير في ذلك المنحى الذي رسمته الفتنة، ومع الأسف تحول البعض لأدوات تلك الفتنة، يستجرون أحداثها مبرراتها ودواعيها.
بينما العلم يقول إن التنوع نعمة لا نقمة، وشهدنا ذلك في العقد الأول والنصف من عمرنا إبان المستعمر، وهي الفترة التي تتشكل فيها مدارك الإنسان، وتجده أكثر تساؤلا وفضولا ليعرف ما يدور حوله، عشنا في بيئة تنوع عرقي وثقافي وعقائدي متسامح ومتعايش مع بعضه البعض بسلام، تنوع شكلا من عدن منطقة تمتاز بالتعدد السياسي والثقافي والوعي الثوري، أوجد مخاض فكري وجماهيري في المنتديات والمجلس العمالي الذي تشكل منه حزب الشعب، وكانت الحاجة للتكتلات الفكرية، تحريرا وقومية، التي تكونت منها جبهات الكفاح المسلح، وهي الحاجة التي دعمها الانقسام العربي بين جبهة عبد الناصر والقوميين في لبنان، وهي حالة صحية متى ما توفر الوعي الكافي للفرد ليدرك أهمية هذا التنوع الفكري، وحق الإنسان في اختيار ما يناسب تطلعاته وأفكاره، والتي تعتبر أدوات التنمية السياسية، التي نطلق عليها اليوم الأحزاب، بدونها لا يمكن الحديث عن ديمقراطية وتبادل سلمي للسلطة، لأن البديل هو التكتلات الطائفية والمناطقية والسلالية، أسرة تحكم وتتداول السلطة، هي من تحدد لنا شكل الدولة، هي الرئيس ومجلس الوزراء وهم الوزراء ونحن مجرد رعية، إذا رفضت الأسرة عن أحدنا يمكن أن يكون له مكانة.
تدرك بريطانيا خطورة النمو الفكري والثقافي الذي يتشكل في عدن، ويستوعب هذا التنوع، وما تمتلكه عدن من مقومات سياسية واقتصادية واجتماعية، الخطورة التي تهدد أجنداتها وخططها في إعادة رسم الخريطة الجغرافيا للمنطقة، وانتزاع عدن من عمقها الوطني اليمني، لتشكل إمارات بمسمى عربي، وأجندة أجنبية، تديرها أسر وسلالات، ويراد لعدن أن تنظم وتذوب في ذلك المخطط المرسوم، ولكن عدن أبت وانتفضت وقاومت كل تلك المحاولات، وفجر ابنها الفدائي البطل خليفة عبدالله خليفة قنبلة المطار، استهدفت المندوب السامي ونائبة وبعض السلاطين أثناء ذهابهم للتوقيع على اتفاقية الجنوب العربي في لندن، وتم القضاء على حلم المستعمر البغيض، وأبت محاولته بالفشل، تلك العملية التي أشعلت الكفاح المسلح، وأصابت المستعمر بالجنون حيث استدعى أشرس قواته دون فائدة.
فقرر أن يأخذ كتيبة من قواته المحلية بالجنوب (جيش الليوي) بقيادة حيدرة المسعيدي، ليؤسس دولة الإمارات العربية، التي نشهد اليوم دورها الصهيوني، كحارس أمين لمصالح المستعمر في المنطقة، تتحرك وقت الطلب لتدمير أي نهضة عربية، أو ثورة شعبية، أو حدة قومية.
يبقى السؤال هل من مصلحتنا في عدن أن تبقى دابر هذه الفتنة تعمل؟ ونبقى غارقين في الصراعات؟
أو نعي أهمية التنوع، والتسامح مع الذات قبل الآخر، والتعايش مع المختلف عنا، هل ندرك أنها فتنة ويجب قطع دابرها، ونعالج أحداث هذه الفتنة معالجة عقلانية، لا تسمح للثأر أن يعمل والانتقام أن يوجه المواقف، وهل ندرك إن أنا لعدن أن تنض بكل أبنائها، وكل أفكارهم وثقافاتهم وأعراقهم، وبهم ستكون منارة تنير ما حولها من ظلام، ووعي يوقف حالة التدهور والانهيار القيمي والأخلاقي القائم اليوم، لتوقظ الضمائر التي ماتت كراهية وعنصرية، وتحيي المجتمع ليسمو قيما وأخلاقا، لينهض وينهض مع وطن وأمة.
* يمن مونيتور