ما من عقبات توجد اليوم أمام الأطراف اليمنية وتمنعها من التوقيع على خارطة الطريق السعودية- الأممية ذات المسارات الإنسانية والسياسية والأمنية، لقد أقر الحوثيون بذلك، وهم الطرف الذي وضع معظم هذه العقبات، بعد أن التزمت المملكة بتلبية مطالبهم وعلى رأسها الحصول على المرتبات، وإطلاق حرياتهم الكاملة في إدارة الموانئ والمطارات، والتصرف كشريك نديّ ضمن جغرافيا ارتبطت مؤخرا بتصعيد يوصف بأنه الأخطر إزاء حركة الملاحة الدولية في جنوب البحر الأحمر.
لم يطرأ تغير جوهري في أولويات جماعة الحوثي المتمثلة في "إنهاء العدوان والحصار، وصرف المرتبات لجميع الموظفين اليمنيين، والإفراج عن كافة الأسرى والمعتقلين، وخروج القوات الأجنبية من اليمن، وإعادة الإعمار، والتهيئة للحوار السياسي". ستلاحظون أن الحوار السياسي لن يجرى قبل أن يحصل الحوثيون على كل الإمكانيات التي تكرس سلطتهم؛ ويصعب معها تقديم تنازلات حقيقية في الحوارات السياسية اللاحقة للطرف الآخر المتمثل في السلطة الشرعية التي تتجزأ عمليا إلى أطراف ومشاريع أخطرها المشروع الانفصالي.
السخاء السعودي شمل التزاما بدفع مرتبات الجهاز المدني والعسكري والأمني الذي يعمل تحت سلطة جماعة الحوثي، لمدة لا تقل عن ستة أشهر، ومن المؤكد أنه سيُقرب المملكة أكثر من هدفها الاستراتيجي، وهو التحلل من تبعات قيادة التدخل العسكري إلى لعب دور الوسيط في مشهد يمني غير مستقر وصراع غير محسوم وأفق يعِدُ بالأخطر والأسوأ.
لقد اضطرت السعودية لتقديم الدعم المالي المباشر للحوثيين وسط معلومات غير مؤكدة بأنها دفعت 750 مليون دولار للحوثيين، قبل ذهابهم للتوقيع على خارطة الطريق، فيما تَبقَى خزينةُ السلطة الشرعية خاوية بسبب التوقف عن تصدير النفط بعد تعرض موانئ التصدير لضربات قيل إن طائرات مسيرة حوثية هي التي نفذتها، فيما ترجح معلومات مصدرها مسؤولون حكوميون أن وقف تصدير النفط يأتي ضمن مخطط لتعطيل القدرات اللوجستية والتمويلية للحكومة من جانب الإمارات وربما من جانب السعودية كذلك، مما يعني أن الضرب جاء بطائرات تتبع إحدى هاتين الدولتين.
وبحسب ما كُشف من مضمون خارطة الطريق، فإن السلطة الشرعية ستتمكن من إعادة تصدير النفط للإيفاء بالتزاماتها تجاه مرتبات العاملين في أجهزتها الحكومية والعسكرية والأمنية، على الرغم من الصعوبات التي تعترض عملية إعادة التصدير إلى مستويات السابقة والتي كانت قد تجاوزت سقف 130 بألف برميل يوميا.
التحول البراجماتي في المقاربة السعودية للحرب اليمنية، تحقَّقَ بالتأكيد على حساب التهميش المميت للسلطة الشرعية وأجهزتها ونفوذها، وعبر التفكيك المتعمد لسلطتها إلى جُزر من الإرادات المتضادة والمشاريع المتصارعة، وأُنجز أيضا عبر سلسلة من التنازلات التي قدمتها السعودية نيابة عن الشعب اليمني والسلطة الشرعية المستلبة التي تمثله، واستهلّت هذه التنازلات بتصفير الخلافات مع الحوثيين، ومن قبلهم مع إيران التي نجحت في دفع الرياض نحو هذا المسار، إثر تدخلها العسكري الخطير في مسار الحرب اليمنية لصالح الحوثيين، إلى جانب الانسحاب الأمريكي من المواجهة مع طهران، وهو ما يفرضه الالتزام المفترض تجاه الشراكة الاستراتيجية بين واشنطن والرياض والممتدة لعدة قرون.
ليست هناك نية على ما يبدو لتسوية الخلافات وتجاوز الأزمات المركّبة التي تهيمن على معسكر الشرعية، قبل التوقيع على خارطة الطريق، وضمان تنفيذ الخارطة بما يضمن المضي في باتجاه إحلال السلام وإعادة المبادرة إلى الشعب اليمني، وإجبار الجماعات المسلحة على التنازل لصالح مؤسسات الدولة التي ستنشأ بعد التوقيع على الاتفاق.
قد يكون تسنّى لجماعة الحوثي الاطلاع على خارطة الطريق ومناقشتها وإبداء الملاحظات عليها، حتى أقروها على لسان رئيس فريق التفاوض لديهم محمد عبد السلام خلال لقائه المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن هانس غروندبرغ، يوم الجمعة الماضي في مسقط، وعلى إثر ذلك أعلن عبد السلام أن "تقدما قد تم إحرازه في خارطة الطريق"، لكن السلطة الشرعية ورئيسها اطلعوا على خارطة الطريق شفهيا خلال لقائهم وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان.
لقد قامت السعودية بتقييد حلفائها في معسكر الشرعية بثلاث اتفاقات لضمان تصرف هذا المعسكر بالانضباط المطلوب قبل وأثناء وربما بعد التوقيع على خارطة الطريق مع الحوثيين، وتشمل هذه الاتفاقات: اتفاق المبادئ الذي يوفر ضمانات بشأن حل مناسب للقضية الجنوبية، ولا أدري كيف سيتوفر هذا الحل مع سلطة للحوثيين الكلمة العليا فيها. وهناك اتفاق لميثاق الشرف، وآخر للردع، وهذا الأخير ربما يتعلق بآلية الردع المشترك للحوثيين في حال لم تمض خارطة الطريق كما هو مخطط لها.
اليمنيون على بعد بضع خطوات من جحيم بلا أفق، يُدفعون إليه عبر خارطة طريق أممية أكثر ما يثير الاهتمام فيها أن الموقعين عليها هم سلطة شرعية فرضتها الإرادة الملكية في عهد الوصاية السعودية على الشعب اليمني، وجماعة انقلابية أفشلت عملية التغيير التي اجترحها هذا الشعب في لحظة فارقة من تاريخه المعاصر، وجماعات مسلحة سلطوية وانفصالية أنتجها التحالف على هامش الحرب لتصبح عبئا على حاضره ومستقبله ورزيئة تاريخية ستظل توصم اليمنيين بالعار.
كل شيء يدل على أن السعودية تبحث بكل الوسائل عن الخلاص من التبعات المباشرة للحرب والتحلل من أعبائها، وتجذير نفوذها التقليدي في اليمن، والذي من المؤكد أنها ستمارسه منذ الآن على أطراف متقاتلة وأرضية محترقة وجغرافيا مفككة، لذلك جاءت خارطة الطريق ملبية لحاجات السعودية ولأكثر الأطراف اليمنية سوءا، ليبدو المبعوث الأممي هانس جروندبورج مجرد قفازة يتكرس معها فشل المبعوثين الأمميين الأربعة في التوصل إلى نهاية عادلة للحرب التي أثخنت في اليمنيين ودمائهم ووحدتهم الوطنية، ودمرت اقتصادهم وشتَّت شملهم وأورثتهم العوز والضعف والهوان.
* عربي 21