لماذا ساءت الأخلاق؟ هناك ارتباط بين سوء الأوضاع المتراكم، وبين بلادة الضمير والخلق.
وهذا ما يُفَسّر الظهور المقزز لفساد كبير ومفسدين أكابر أنّه ظهور لا تخطئه الحواس الخمس، وليس العين كما يقال حينما يراد تأكيد أمر ملحوظ أن ضخامة الاستثمارات وتنوع الدخول الصعبة وتعددها، وسخاء المنافع والمصالح والمناصب للأبناء والأصهار والعصبة والرهط، دلالة بسيطة لما خفي ممّا لا نعلمه جميعاً.
وظاهرة أخرى مستنفرة -للأسف- كشف عمقها وخطورتها مواقع التقاطع أو التواصل الاجتماعي، لم يعد الحرف يخدم الفكرة بما يمكن مناقشته، بل كلمات وملفوظات تلهث حول السقوط والشتيمة.. إن الفضيلة روح الإنسان أن بلغت مرحلة الغرغرة لا تعني سوى احتضار المجتمع.
خذوا مثلاً من يدعو لفكرة بدلاً من أن يسوق مبررات وتعريفات موثقة لا من زعيق حنجرته، فكل سيفعل ذاك يبتلى بلسانه ليقوده بلا مبرر إلى شخصيّات وذوات وشرائح يسلخها ممّا يعطى إنها مسألة عنادية لشخص ما بلا جدية أو عمق.
إننا أمام معضلة كبيرة حقاً إني أعتذر لصفاقة أناس أصابهم لفح الإزراء الذي ولدته أزمات لا تصمد معها إلا أخلاق الصابرين، أهل الإيمان، لكن كيف نعتذر لمن عجنته الملاءة النقدية عجناً؟! وهو لا يترفع عن سوء لفظي أو قولي في طارف منشور أو تغريد، قد نعتذر للبسطاء … فمن يتحدث لجائع فليشبعه أولاً، ومن ينظر لجريح عليه أن يداويه قبل التغريد، خاصة إن كان مستطيعاً، ومن يتكلم عن شكل الدولة فعليه أولاً أن يستردها، إنه حمق فاحش، وجدل بيزنطي مسرف بعيد عن الواقع والمتوقع، مع أن هذا المغرد المبذر قد يستفيد حتى من منشور كهذا؛ ليثبت لآخر أمراً يستحلبه به.. وصاحبنا المواطن “الضابح الكادح” يدخل على هذه المائدة ليغذيها من حيث لا يشعر بأخلاق وألفاظ تعكس نفسيته التي تبحث عن حلول لمخرج من أزمة لا حل لها حتى الآن.
إن ديننا يعلمنا الصبر والفضيلة، والارتباط بالله في كل حال، حتى لا نكون فريسة لضعفنا البشري المتفلت في ردّات فعل مستعجلة … يعلمنا أن نحافظ على الأخلاق سلماً وحرباً وأمناً وخوفاً.
نعم، كن فاضلاً ولو كنت هدفاً سهلاً للمسغبة والإهمال والتهميش، ولو كنت مشرداً في عواصم العرب أو العجم أو كنت ثاوياً بين ظهراني الفاقة أو كنت جليساً لكتل المال أو تتعاطى رذاذ أموال المنظمات والسفارات والدول.
كن فاضلاً حتى لا تخسر أكثر، كن فاضلاً حتى لا يخسرك صديقك ووطنك، بل حتى لا تخسر دينك.