لم يأت حسين الحوثي بجديد، سوى أنه حمل السلاح ضد الدولة، باعتباره متمرداً بلغة هذا العصر وقوانينه، ومستلهماً مبدأ الخروج الفوضوي في المذهب الزيدي، ويبدو أنه مِثل والده بدر الدين، ومجد الدين المؤيدي وجارووديين آخرين، ما يزالون متمسكين بفاطمية الإمامة والرئاسة وفقاً لمحمد عزان في كتابه (قرشية الخلافة تشريع ديني أو رؤية سياسية) وهذا لا حَقَّ فيه، ولا منطق، ولا عدل، سوى ترهات؛ لا تعقل ولا تقبل، لكنها كلفت اليمن كثيراً على مدى مئات السنين، وما تزال.
ولو أن القادة في صنعاء، سلطة ومعارضة، كانوا بمستوى المسؤولية وعلى قدر التحديات، لما برزت ظاهرة الحوثي أصلاً، ولو برزت لتم التعاطي معها بحرفية فكرية وسياسية مسؤولية وطنية وانتهت سلماً أو حرباً؛ لكن الدول والشعوب، تعترضها ظروفا وحالات وقيادات وسياسات وسوء تقديرات تهيئُها وتعرضها لمخاطر كبرى، وكوارث ماحقة، مثل الحالة في اليمن.
ومعروفة ملابسات نشوء الجماعة الحوثية وتطوراتها، ولا يتسع المجال للحديث عنها هنا.
وعندما قررت الدولة مواجهة جماعة الحوثي في 2004، بدا وكأن الأمر قد حُسم، في الحرب الأولى، حيث تمت هزيمتها، لكن الوضع في صنعاء، كان يشوبه قصر النظر والارتجال. وخاضت الدولة مع الحوثي خمسة حروب بعد الحرب الأولى، تبدأ بالتلفون وتنتهي به، وكان دور المعارضة، مربكاً ومحفزاً ومشجعاً للحوثي، نكاية بالحزب الحاكم والرئيس صالح. وتبدلت الأمور بعد ذلك، ليكون قطاع كبير من المؤتمر، بما ذلك الرئيس صالح، حليفاً للحوثيين عند اجتياح عمران وصنعاء والسيطرة عليها!
وكانت تقديرات القائد الأعلى للقوات المسلحة، هادي، للموقف سيئة وقراراته وحساباته خاطئة-بتأثير واضح من ذوي النزعات الانفصالية والانتقامية - منذ توجه الحوثيون من صعدة، عبر حاشد وعمران، حتى توقيع اتفاق السلم والشراكة؛ بعد إطباق الغزاة الحوثيين على كل العاصمة، وكل مؤسسات الدولة بما في ذلك دار الرئاسة!
أما بعد دخول التحالف العربي الحرب، فقد أسفرت وعبرت نتائج حرب التسع سنوات عن حالة خواء الوضع العربي، وهو خواء مخيف، ولا بد أن تكون له تداعياته اللاحقة، في أكثر من مكان، وقد لا تنحصر التداعيات على اليمن، والحالات الأخرى المشابهة في أكثر من بلد عربي؛ ولم تزد حربُ التسع سنوات الحالةَ اليمنية، إلا سوءاً. وتسببت الحرب التي جاءت لاستعاده الشرعية، والحفاظ على وحدة اليمن واستقلاله وسلامة أراضيه، في المزيد من خراب اليمن، وشرذمتها وتفكيكها؛ واليمن بلد عربي مهم، لمآلات الخراب فيه تأثيرات وتداعيات، تتجاوز اليمن.
ما يزال اجتياح الحوثي لعاصمة البلاد، صنعاء، وهو قوة صغيرة، بالمقارنة مع إمكانيات قوة الدولة، وقوة خصومه، يحتاج إلى تحقيق واسع وشامل لتحديد الأدوار والمسؤوليات، بتفصيل ودقة، على الرغم من وضوح الكثير منها، ويحسن أن يتم ذلك، ما دام كثيرا من الشهود، أو بعضهم، على قيد الحياة، لتتعلم الأجيال القادمة وتأخذ العبر، بحيث لا تتكرر الأخطاء التاريخية والكوارث والنكبات!