الجغرافيا وما يرتبط بها من عوامل النفوذ والسيطرة سواء أكانت على الموارد اقتصادية أو الطرق التجارية أو الأسواق والاستثمار، فيجعل من تلك الجغرافية مجالا للتنازع والصراع يطلق عليه الصراع الجيوسياسية.
واليمن بحكم موقعها تطل على البحر الأحمر والبحر العربي ومضيق باب المندب الذي يربط التجارة بين الشرق والغرب ويمر عبره ربع التجارة العالمية إضافة إلى الموارد الاقتصادية، من هنا تأتي أهمية موقع اليمن وسبب الصراع إقليميا ودوليا في المنطقة.
خصوصا في ظل ظهور أقطاب عالمية منافسة للقطب الأمريكي وهما روسيا والصين، فتسعى أمريكا لوأد ظهور الأقطاب المنافسة لتبقى تتحكم في مصير العالم. هذا أولا.
ثانيا: إن ظهور الصراع في البحر الأحمر لم يكن ليكون لولا غياب المشروع العربي وعدم تفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك لحماية الأمن القومي العربي، فترك فراغا صار محلا للأطماع الإقليمية والدولية.
ثالثا: نفهم هذا الصراع بأنه امتداد لتمدد أذرع إيران وفقا للاستراتيجية الأمريكية، والتي كانت معالمها بداية التخلص من الشهيد صدام حسين وما ترتب عن ذلك التمدد في جسم الأمة، ومنها انقلاب الحوثي على الدولة اليمنية ومنع عملية التغيير والتحول بعيدا عن النفوذ الأمريكي، لم يقتصر الأمر عن الانقلاب الحوثي، وإنما تبعه فرض تعدد التوجهات السياسية في إطار الشرعية بقصد تغييب الدولة لدورها في استعادة الجمهورية، واستقلال قرارها السياسي ومن ثم حماية مياهها البحرية.
ووفقا لما سبق نفهم طبيعة الصراع في اليمن بشكل عام والصراع في البحر الأحمر بشكل خاص، إذ إن إيران وعبر أذرعها تريد أن تكون هي المهيمنة على المنطقة تحقيقا لخدمة مشروعها الإمبراطوري الفارسي، وقد صرح أحد المسئولين الإيرانيين أن منطقة البحر الأحمر تأتي ضمن إطار الأمن القومي الإيراني، كما يلاحظ ذلك فبعد ساعات من إغراق البارجات الأمريكية في البحر الأحمر ثلاثة زوارق حوثية وقتل عشرة أفراد منهم أرسلت إيران مدمرة بحرية وترافقها سفينة عسكرية للمنطقة ليظهر أن الحوثيين ليسوا إلا أداة ضمن الأدوات الايرانية والصراع على النفوذ في المنطقة.
إن التواجد الأمريكي في البحر الأحمر وحشد تحالف غربي في 18 من الشهر الماضي يأتي ليس لاحتوى وردع التهديد الإيراني فحسب وإنما للهيمنة والسيطرة على منافذ وخطوط التجارة العالمية، بقصد السيطرة على المنافذ والطرق وحركة التجارة الدولية والاستثمار لتظل منطقة الشرق الأوسط تحت الهيمنة الأمريكية الغربية بغية تأمين إمدادات الطاقة والسيطرة على الأسواق والاستثمار والحد من المنافسة لها من خلال مشروع طريق الحرير الصيني، والذي من المتوقع أن يمر عبر ميناء عدن الحيوي المنافس للموانئ في المنطقة، والذي من المؤمل أن يدر على اليمن عشرات المليارات من الدولارات الناجم عن تنشيطه ضمن مشروع طريق الحرير الصيني، ويحقق التقدم والازدهار لليمن وفق استراتيجية المنافع المشتركة مع الصين.