في جنوب البحر الأحر ثمة نشاط عسكري يتمتع بقدر كبير من الانضباط والنظافة ويكاد يكون مستأنساً، رغم أن صيته خلف آثاراً واضحة على خطط شركات الملاحة الدولية الكبرى وأضاف كلفاً مالية وزمنية على هذه السفن وما تحمله من سلع.
26 وعشرون هجوماً نفذه الحوثيون منذ الـ19 من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، آخر هجوم وصف بأنه الأكبر ونفذ بواسطة 21 طائرة مسيرة وصواريخ كروز وبالستية مضادة للسفن، وادعى فيه الناطق العسكري باسم الحوثيين أنه استهدف سفينة أمريكية دون أن يكشف نوعها.
في الجانب الآخر من هذا النشاط العسكري تقف القوى البحرية العظمى على رأسها البحريتين الأمريكية والبريطانية، ومن هاتين البحريتين ومن هيئة العمليات البحرية البريطانية المعنية بنشاط السفن التجارية، نستقي الحكايات المفعمة بالمضامين المثيرة حول عمليات إطلاق الطائرات المسيرة والصواريخ وعمليات الاعتراض التي تجعل أثر هذه الأسلحة صفرا تقريباً، وتسرد تلك الحكايات قصصاً من الرعب الذي تحدثه الهجمات لدى البحارة، والأوضاع الاستثنائية التي تعيشها السفن لدى مرورها في القاطع البحري الذي يسيطر عليه الحوثيون أو يمارسون سيطرة جوية عليه من جنوب البحر الأحمر.
وكان لافتا بالنسبة لي أن البحرية البريطانية اضطلعت بجزء كبير من مهمة ضد هجوم الحوثيين الأخير الذي استهدف في الأصل سفينة أمريكية. كم هي أمريكا عاجزة عن صد الطوفان الحوثي!
الولايات المتحدة التي تدير المواجهة النظيفة مع الحوثيين في جنوب البحر الأحمر، أعدت مشروع قرارٍ من المحتمل أن يُقر من قبل مجلس الأمن قريباً وسيدين هجمات الحوثيين ويصفها بغير القانونية وسيؤكد حق الدول في الدفاع عن سفنها، أي أنه سيكون بمثابة مرجعية دولية لإدارة الصرع مع الحوثيين ستفعلها واشنطن متى أرادت أو سترجئها وتعطلها أن اقتضت مصلحتها، تماماً كما تفعل بالقرارات الصادر بحق الكيان الإسرائيلي المحتل.
القرار أن أعتمد دون أن يُقر من قِبل مجلس الأمن سيمثل أيضاً ذروة الموقف الدولي تجاه النشاط العسكري الحوثي في جنوب البحر الأحمر والذي يرتبط عضوياً بالاستراتيجية الإيرانية ونزعة النفوذ الإقليمية لطهران وتوظيفها لما بات يعرف بتحالف الساحات ضمن حسابات مدروسة جيدا بحيث لا تفقد إيران أي ساحة من هذه الساحات نتيجة خروج الأمور عن السيطرة.
لقد تأسس حلف الساحات بقيادة إيران ضمن سردية المقاومة ضد أمريكا وإسرائيل، لكن النشاط الحقيقي لهذه الساحات باستثناء ساحة غزة كان عدوانياً وطائفياً وضمن التفاهمات الخفية مع واشنطن لضرب مكون الأمة ونشر الفوضى بهدف إبقاء دول المنطقة ضعيفة ومدمرة وفي حالة صرام مستدام بين مكوناتها.
لا أثر مادي لحرب الحوثيين النظيفة جدا في جنوب البحر الأحمر، فالمحكيات الصادرة عن البحرينيين الأمريكية والبريطانية رغم أنها مشوقة إلا أنها في المحصلة تتحدث عن ضربات لا تصل إلى أهدافها ولم تعطل حتى الملاحة الدولية بالمعنى الحقيقي للكلمة.