عبارة مبتذلة ومتداولة للحوثيين هذه الأيام : أنه حتى خصومنا يباركون عملياتنا العسكرية في باب المندب والبحر الأحمر وبحر العرب)) التي يرددونها لتزكية أنفسهم.. وكأن الناس في اليمن بلا ذاكرة ولا كرامة.
وعلى قول المثل الشعبي(ألخَبَّاز يعرف وجه المُتْغَدِّي) فاليمنيون يقيسون مصداقية شطحات الحوثيين العسكرية في باب المندب والبحر الأحمر وفلسطين من خلال ممارساتهم الإجرامية على الأرض اليمنية نفسها وما فعلوه بأبناء بلدهم من تنكيل وتهجير قسري للملايين, وقتل وسفك دماء ونهب مئات الآلاف من شرق البلاد إلى غربها وكل جهاتها الأربع-ولا يزالون- قرابة عشر سنوات.
يرفعون شعار فك الحصار عن غزة ويقطعون الطرقات بين مدن اليمن وقراها ليمنعون فريضة صلة الأرحام.
ويحاصرون موانئ تصدير النفط والغاز والتجارة في اليمن أكثر من عام ونيف لتجويع المواطن اليمني وإخضاعه للمشروع الإيراني, ويتباكون على ما وصلت إليه أوضاع غزة المشابهة.
ولا تعني معارضة بعض السياسيين والمثقفين والمتمصلحين رد الفعل العسكري الأمريكي الأخير إزاء مناطق سيطرة الحوثيين بأي حال من الأحوال رضى اليمنيين وقناعتهم بالجماعة الانقلابية ولا تسامحهم مع جرائمهما الداخلية.
فالذين عارضوا رد الفعل العسكري الأمريكي الأخير من القاعدة الأخلاقية ذاتها , قاعدة التعاطف مع الفلسطينيين ضد أحد أطراف دول الحرب الغربي الرئيسية عليهم(أمريكا في المقدمة).
* دفاع عن الوطن وليس الحوثي*
ومن يرفض انتهاك سيادة بلاده من اليمنيين لا يدافع عن مليشيات الحوثي ونهجها الاستئصالي العنصري الشبيه بنهج الصهيونية وخبثها, ولا عن مشروع تبعيتها الدخيل لطهران.
كشفت مساعي تجيير التعاطف الشعبي التقليدي لليمنيين مع فلسطين الدوافع الخاصة لعمليات الحوثيين من بداية حرب غزة, فمن جهة لتجميل صورتهم المُشَوَّهة في الداخل جراء تهجيرهم القسري المشين لملايين السكان الأصليين اليمنيين قرابة عشر سنوات لتمكين مشروع النفوذ والتوسع الإيراني في المنطقة, ومن جهة ثانية محاولة ميؤسة من المليشيات لاستجداء شرعية سياسية وشعبية على ذمة مذابح غزة, وتحدثهم باسم اليمن ودولتها أمام من لا يعرف فظاعاتهم في الخارج, قبل أن يتطهروا من مذابح أبناء جلدتهم.
كل مليشيات وعصابات محور(الممانعة) في لبنان والعراق وسوريا والحوثيين كشفت استبسالها الكبير حين يتعلق الأمر بمصالح إيران ومشروعها التوسعي.
فرأينا مع غدر حزب الله اللبناني ونكثه بالوعود التي قطعها لدعم صمود الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية كيف أقام حسن نصر الله ومليشياته الدنيا فجأة ولم يقعدها مع مقتل رضى الموسوي المستشار الإيراني لقائد الحرس الثوري السابق قاسم سليماني بعملية استخبارية للموساد في أحد أوكاره بدمشق.
وتفجرت حمم وبراكين النار والبارود على حدود الكيان الصهيوني مع لبنان فجأة دون سابق إنذار, بكل أنواع الأسلحة الفتاكة على مذبح الولاء لسادة طهران ونصرتهم, وفي سبيل دماء صنم واحد فقط قتله جهاز الموساد, وليس انتقاماً لمئة ألف فلسطيني مظلوم بين قتيل وجريح وآلاف المفقودين تحت الأنقاض وأكثر من مليون ونصف شردوا من الديار !!.
وكيف انقضت عشرات الصواريخ وطائرات الحوثيين المتفجرة الهجومية من غرف التحكم والسيطرة الإيرانية بغتة بين عشية وضحاها لضرب البوارج والسفن الحربية والتجارية الأمريكية-البريطانية فقط بالتزامن مع مقتل المستشار الإيراني نفسه في سوريا واغتيال وسام الطويل القائد في عصابات حزب نصر الله لاحقاً بعد أن كان جهدهم العبثي المراوغ في هرطقات إسناد غزة طوال أكثر من ٣ أشهر مفرقعات صوتية يسبق هديرها الإعلامي واحتفالات أصحابها الدعائي دون وصولها إلى أهداف حقيقية في أم الرشراش- إيلات أو سفن الصهاينة الافتراضية في البحر الأحمر وغيره..
* نصر الله يكشف الحوثي*
وبشهادة حسن نصر الله الذي أشاد بولاء الحوثيين للمحور(حتى وإن لم تصل الصواريخ والطائرات) كما قال بعظمة لسانه, لإن الهدف الحقيقي دعائي وليس ضرب إِسْرَائِيلَ التي يسهل إبادتها من الخارطة عبر حدود لبنان وليس من اليمن البعيدة.
وكل حجم ترسانة التسليح الضخمة المخبأة لحزب الله والحوثة ونثرات العراق ظهر في الوقت المناسب للدفاع عن إيران ومصالحها وسمعتها فقط, وليس لإسناد فلسطين ومقاومتها.
لم يحرك اغتيال الصهاينة لنائب رئيس حركة حماس صالح العاروري في الضاحية الجنوبية أكثر من الضجيج والصراخ الإعلامي العالي والتباكي الكاذب مقارنة بواقعة اغتيال رضى الموسوي التي أخرجت أسلحة مليشيات لبنان والعراق الفتاكة من مخابئها, وضربت كل قرى الحدود المجاورة.
فالتحرك العسكري التمثيلي الاستعراضي الباهت لمفرقعات حسن نصر الله وذيوله التابعة منذ بداية معركة غزة إلى اليوم لا يتناسب مع الحدود الدنيا لحجم ترسانة التسليح الكبيرة المكدسة لدى الوكلاء ولا أهدافهم الحقيقية المبيتة في خدمة طهران وأجندة خميني.
برَّر حسن نصر الله بدم بارد وضمير ميت تلكؤ مناوشاتهم العسكرية الصِّوَريّة ومراوحتها مع الصهاينة بالتزام قواعد الاشتباك حتى مع معدلات قتل الفلسطينيين بأكثر من ألف شهيد يومياً.
لكن قواعد الاشتباك المزعومة تبخرت وظهرت نخوة مفاجئة عندما تعلق الأمر بالثأر لأحد مجرمي إيران في سوريا, والضرب بنار من حديد في عمق شمال الاحتلال الصهيوني.
وإقرأوا احتفال حسن نصر الله بالحَوَثة وخروجه عن الطور بعد دفاعهم المستميت عن إيران بعد ضربهم لبوارج أمريكا الحربية وسفنها التجارية, فيما اعترف نفسه قبل ذلك بأن صواريخهم وطائراتهم المتفجرة لا تصل من اليمن إلى تل أبيب.. ولا هو يومها الذي ومليشياته على مرمى حجر من العدو جاهز أيضاً لتضحية حقيقية لا دعائية لصالح غير الإيرانيين.
لا يمكن التذرع بدعم صمود الشعب الفلسطيني كغطاء لهيمنة المشروع الإيراني البغيض عندنا.
ولا فرق لدى اليمني بين تعديات أمريكا وبريطانيا وانتهاكاتها العسكرية الهمجية وبين تمدد مشروع الغزو الفكري-العسكري الفارسي العنصري في اليمن بأدوات العمالة الحوثية.
والطامة الكبرى في مراوحة مواقف بعض النخب الثقافية والسياسية-الحزبية بين سذاجة التقديرات وانتهازية المصالح كما أظهر بيان بقايا إحدى أحزاب القومية(حزب القرية الشهير) استبساله في محاولة إقناعنا بالتسامح مع التغلغل الإيراني الخبيث في بنية المجتمع اليمني بل ومباركته, وإدانة العدوان الأمريكي-البريطاني وحده دون غيره ??.. إلا إذا كان الانبطاح الرخيص سوف يوقف النظر بإجراءات محاكمة أصحابهم في صنعاء بدعوى محاربة غسيل أموال بالمليارات تلقوها سابقاً من الرئيس القذافي ونظام صالح..
ولا تعرف من يضحك منهم على الآخر الذين يقايضون قيم ومعايير حساب المواقف الوطنية بمال ليس لهم, أم الحَوَثة الذين اعتبروا ذلك تحولات في المواقف الداخلية المناهضة ومباركة مشروعهم العنصري التبعي الدخيل رغم يقينهم بأن الطعنة الغادرة للرئيس صالح كانت من هؤلاء المتظاهرين بالنخوة بعكس قناعاتهم وطبائعهم التآمرية المعروفة.. أو للقاسم المشترك في غياب الشرعية والمشروعية الشعبية للطرفين, وتطبيل القومي حالياً ليرقص الحوثي.
والسؤال الملحاح الآن هو لماذا لم تكن هجمات الحوثيين جادة وحقيقية منذ بداية الحرب الصهيونية على غزة إلا عندما تعلق الأمر مؤخراً بإيران فقط التي أظهروا فزعتهم العالية جداً للتضحية من أجلها باليمن وشعبها ومصالحها بأي ثمن.
ومن حسنات شهرة الحوثيين الذي ذيع صيتهم في الخارج مؤخراً على نطاق واسع دون معرفة حقيقتهم الأصلية أن الناس في كل العالم عندما تضع حرب غزة أوزارها سيكتشفون أنهم خدعوا بعنتريات هذه الجماعة التخريبية التي يحفل سجلها بكل ما مخزي.
ولإن البعض بلا ذاكرة ستكون أي حملة إعلامية يمنية دولية شاملة ومنظمة مستمرة فضيحة في نعش المتاجرين بكل القيم بما فيها أعراض اليمنيات في سجونهم التي تكفي وحدها لإطفاء نشوة وانتفاشة الصواريخ والطائرات المسيرة وفضح مزاعم الدفاع بها عن الفلسطينيين لصالح إيران ومشروعها التوسعي في المنطقة العربية.
والخلاصة إن إيران وحدها وليس الفلسطينيون من سيقطف ثمار الدور الذي نفذته أدواتها الذيلية في اليمن ولبنان، كون العمليات العسكرية الكبيرة الأخيرة ضد المصالح الأمريكية والكيان الصهيوني لإرضائها وتعزيز صلفها وسيطرتها بأدواتها المحلية الرخيصة.