عندما يلتزم الإنسان بمنهج الله يتحول لإنسان صالح، ويصبح من عباد الله الصالحين، الذين يعملون الصالحات، وهنا تستقيم الحياة للإنسان، الفرد، والمجتمع، والدولة، وعندما يخرج الإنسان عن منهج الله، يتحول إلى وحش ضار، ويصبح أضل من الأنعام كما وصف الله، فيتحول من التعارف للتقاتل، ومن الدخول في السلم كافة، إلى الدخول في العدوان وإشعال الحروب، ومن إنفاق المال على مصارفه ومستحقيه، يصبح المال مكتنزاً ودُولة بين الأغنياء من الناس.
هنا تدخل الإنسانية دائرة المنهج الشيطاني، فيبدأ المكر الذي تزول منه الجبال، لإقامة الحروب والفتن، ونشر المجاعات، واستعمار الشعوب، لنهب الثروات، واكتناز المال.
وهذا هو دور قوى رأسمالية التوحش، والمقصود بها الأسر المالية، المالكة لثروات العالم، التي أوجدها الله سواء للسائلين، هذه الأسر هي التي تحكم العالم، من خلال نظامها السياسي المعروف "الليبرالية" ونظامها المالي المعروف بالبنوك والمؤسسات المالية، والمنظمات الدولية، وما الحكومات والبرلمانات غير أدوات ديكورية، تنفذ مخططات رأسمالية التوحش.
من هنا نستطيع فهم مقولتين ترددهما أذرع رأسمالية التوحش:
"لو لم تكن إسرائيل موجودة لأوجدناها" الرئيس الأمريكي بايدن.
"المال هو إله عصرنا، وآل روتشيلد هم رسله" الشاعر الألماني هاينرش هاينة.
هذا المدخل يفسّر لنا الكثير من الأحداث التي تجري في المنطقة العربية والعالم، وعلاقتها برأسمالية التوحش، فرأسمالية التوحش هي وراء جميع الحروب والأزمات في العالم، منذ حروب نابليون لليوم، فكل شعوب العالم المؤمنين وغير المؤمنين إما ضحايا أو أدوات لرأسمالية التوحش، فهذه الأسر المُكَوّنَةُ لرأسمالية التوحش، تمتلك معظم ثروات العالم وأجهزته الإعلامية المقرؤة والمرئية والمسموعة، ووفقاً لتقرير نشرته منظمة أوكسفام فأنه خلال سنوات الجائحة وأزمة كلفة المعيشة منذ عام 2020، استحوذ أغنى 1% من البشر على 26 تريليونا دولار (63 بالمائة) من جميع الثروات الجديدة، بينما ذهب 16 تريليونا دولار (37 بالمائة) فقط إلى باقي سكان العالم مجموعين.
وأكدت في تقريرها أن ثروة المليارديرات في جميع أنحاء العالم ارتفعت بقيمة 2.5 مليار دولار كل يوم في عام 2018، وبحسب التقرير، بلغ إجمالي ثروات أغنى 26 شخصًا في العالم، ما يساوي 1.4 تريليون دولار في عام 2018، وهو ما يعادل قيمة ممتلكات وثروات 3.8 مليارات شخص من بين الأكثر فقرًا في العالم.
وفيما يخص منطقتنا العربية، فهي بنظر رأسمالية التوحش، تشكل الخطر الأكبر عليها، فهي كتلة بشرية متجانسة، دين واحد، يحمل رخاء وسعادة الإنسان، ولغة واحدة، وإرث حضاري واحد، أسقط امبراطوريتين فارس والروم، ومنطقتنا العربية تمتلك برقعتها الجغرافية ثروات هائلة مهمة للعالم، فهي تغذي العالم بالطاقة "نفط وغاز" كما أن موقعها الجغرافي المتميز، يعتبر ركيزة للاقتصاد الأزرق، كونها تربط بين قارات العالم.
لذا عمد مخطط رأسمالية التوحش للمنطقة العربية، من إبقائها خارج الفعل والتفاعل الحضاري، من خلال:
١- منعها من التحول لقوة فاعلة وقادرة.
٢- العمل على تغير هويتها الجغرافية، فتم تحويلها من المنطقة العربية إلى الشرق الأوسط.
٣- العمل على تغيير هويتها العربية والدينية الواحدة، فتم تقسيمها لدول متعددة الأديان ( المذاهب)، "اتفاقية سايكس بيكو" كما تم خلق ودعم وتمويل قوى التطرف السني والشيعي.
٤- إدخال المنطقة العربية في حروب مذهبية وسياسية مستمرة لا تتوقف.
٥- إيجاد الكيان الصهيوني، كحاجز فاصل بين عرب أسيا وأفريقيا، وحروبه على دول المنطقة.
٦- العمل على منع استقرار المنطقة وتوحيدها.
وبهذا المكر الذي تزول منه الجبال كما وصف الله، دخلت المنطقة العربية الواحدة، في صراعات وحروب، بين شعوبها ودولها، وكذلك داخل مجتمع وشعب الدولة الواحدة، وهو ما نعيشه اليوم في اليمن.
لقد تأسس هذا الواقع المزري الذي تعيشه الأمة العربية، على جهلنا بديننا الحق، وبسبب بعدنا عن قراءة القرآن، فلم نعد نعرف قراءة واقعنا، ولا معرفة ما يراد لنا.
واليوم لا مخرج لنا من هذا الشتات والتمزق، وحروب المذهبية والكراهية المدمرة، غير استعادة الهوية الدينية والعربية الواحدة، واستعادة دين رب الناس من دين الناس، وتفعيل دور القرآن في حياتنا، بدلاً عن هجره، فهو المنهج الوحيد المؤلف للقلوب، الدافع للهمم، الباني لحضارة التسامح والتعارف والمحبة الإنساني، ولا يوجد منهج آخر بديلًا عنه، يعيد للأمة مجدها ونهضتها، هذا على المستوى العربي، وعلى المستوى اليمني ليس لنا من بديل بجانب ما سبق غير التمسك بالثورة والجمهورية والشرعية والمشروع والتحالف الداعم.