مثلت الأحداث الأخيرة في البحر الأحمر وباب المندب مصدر قلق وتوتر عالمي ألقى بظلاله على كثير من الجوانب ، وبشكل أكبر حركة التجارة الدولية الذي يمثل البحر الأحمر الشريان الرئيسي لها ، وبعيداً عن تصريحات الانقلابيين الحوثيين المضلِّلة عن أهدافهم من إشعال فتيل هذه الفوضى ، وبغض النظر عن مآرب الأمريكان والبريطانيين من التواجد العسكري إلا أن التصريحات الصينية الأخيرة ومساومتها إيران إما بالضغط على الحوثيين أو التضحية بعلاقاتها معها ، كل هذه التحركات يمكن أن تلقي حجراً في المياه الراكدة يتمثل في البحث عن المخرج الحقيقي للأزمة وبما يكفل استعادة الوضع إلى ما كان عليه وتجنب الآثار الاقتصادية السلبية التي ستصيب التجارة الدولية في مقتل .
صحيح أن إنهاء العدوان الصهيوني على غزة سيوقف المبرر الآني الذي يتذرع به الانقلابيون الحوثيون لكن الفوضى الذي ينتهجها هؤلاء كصفة لصيقة تجعلهم يشكلون خطراً على المجتمع الدولي برمته، وبين الفينة والأخرى يصنعون مبررات لأفعالهم، وسيظلون كذلك مادام الإقليم والعالم يمارس معهم سياسة المراضاة التي أثبتت أنها هي المسؤولة بدرجة أولى عن إطالة عمر الانقلاب، وما ترتب عليه من مساوئ بحق الأرض والشعب وأهمها تأخر عودة الشرعية وسيادتها على الأرض اليمنية بشكل كامل وتام .
اليوم وبعد ما يقارب عقد من الزمن قضاه اليمنيون في مقاومة الانقلاب تعرضوا خلال هذه المدة لأكبر عملية خذلانا دوليا كانت نتيجته الطبيعية على المستوى الخارجي تتمدد فوضى الانقلابيين لتعبر الحدود وتحول المنطقة كلها إلى مصدر قلق دولي ، والأهم بعد هذه المرحلة أن يدرك العالم أن السبيل الوحيد للخروج من هذه "الورطة" هو دعم الشرعية كـ"دولة" لاستكمال القضاء على الانقلاب كـ"عصابة" ، وهذا من شأنه أن يفتح الباب لعودة المنطقة لحالة الهدوء والاستقرار وتجنيب الأمن والاقتصاد الدوليين الهزات التي تؤثر على اقتصاديات كل الدول وخاصة الهشة منها .
إن دعم الشرعية وإعادة بنائها هو في المرتبة الأولى ترجمة للقرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن الدولي ، ويمثل الضامن الوحيد لتجنيب المنطقة والعالم صراعات ليست واضحة المعالم ولا الاتجاهات والجميع في غنى عنها ، كما أن التوجه لإعادة بناء الدولة اليمنية يشكل مخرجاً ملائماً سيحقق لكل القوى والأطراف المحلية والإقليمية والدولية مصالحها ، ولابد أن تتكاتف الجهود في كل المستويات للمغادرة من حالة "اللادولة" في أجزاء من البلد و "الدولة منزوعة المخالب" في أجزاء أخرى ، وأن يدرك العالم بكل قواه المؤثرة أنه إذا أراد تجاوز الخطر فيلزمه الاتجاه إجبارياً لاستعادة الدولة المركزية القوية التي تحافظ على علاقاتها والتزاماتها الإقليمية والدولية ، وهذا التصرف سيعيد ضبط الأوضاع والسيطرة عليها وتحقيق مصالح الداخل والخارج في آن واحد .