في مايو 2017م كنت في زيارة رسمية إلى ألمانيا، كانت هي الثانية لأوروبا بعد سويسرا، وذلك أثناء رئاستي للحكومة اليمنية، التقيت وزملائي في الوفد -وزير الخارجية عبدالملك المخلافي، ووزيرة الشؤون القانونية د. نهال العولقي وأمين عام مجلس الوزراء حسين منصور- بنواب مسؤولين حكوميين ألمان كان أبرزهم نائب المستشارة الألمانية "ميركل" ووزير خارجيتها الإشتراكي زيغمار غابرييل، ومستشارها الخاص كريستوف هويسغن، ووزير التنمية والتعاون الدولي جيرالد مولر، وبعض رؤساء اللجان المختصة في البرلمان الألماني.
كعادة الأصدقاء الألمان كانوا ودودين في استضافة وفدنا، وفي ترتيب الزيارة، وكانت مهمتنا هي في بسط أوضاعنا في اليمن أمام أوروبا وتشجيع الأوروبيين على تقديم عون اقتصادي أكبر لشعبنا بعد الانقلاب الحوثي على الشرعية، مدركين أن ألمانيا هي من أكبر الدول الداعمة لليمن، وهي قطب أوروبا، وصوتها كان ولازال مسموعًا داخل الاتحاد الأوروبي وخارجه، وكان سقف توقعاتنا من الزيارة عاليًا.
أصغى الألمان بما عرفوا به من لطف لحديثنا، لكنهم لم يكونوا على استعداد لتقبل الحقيقة كما تجري وقائعها في بلادنا، ولم يكونوا على استعداد لتغيير مواقفهم المتعاطفة نحو الحوثيين، كان الموقف الألماني والأوروبي بصورة عامة مشوشًا، رغم الإجماع الدولي على قرار مجلس الأمن 2216 الذي أدان الانقلاب الحوثي، وسمح باستخدام السلاح ضدهم.
اليوم بتشكيل قوة "اسبيدس" الأوروبية وبقيادة إيطالية ذات العلاقة التاريخية بالمنطقة ستدخل أوروبا في حالة مواجهة مع الحوثيين، وهم يعرفون أنها مواجهة غير مباشرة مع إيران، هذا التحول في موقف أوروبا وألمانيا تحديدًا استغرق سبع سنوات، وبالتأكيد فإن كلفته اليوم عليهم عالية، ونتائجه لازالت في علم الغيب.
كان يمكن للمجتمع الدولي أن يتجنب هذه الحرب لو كانوا قد أنصتوا بعقل منفتح لأحاديثنا معهم عن أسباب الأزمة والحرب في بلادنا، وعن تدخل إيران الفض والتوسعي في شؤوننا، الآن تحركوا لأن حركة التجارة الدولية منهم وإليهم قد هددها الحوثيون بسلاح ودعم إيراني.
يجمع أغلب اليمنيين أن لا مصلحة لليمن فيما أحدثه الحوثيين، وأن مردود أفعالهم على الصراع العربي الإسرائيلي ضئيل، افتعل الحوثيون الأزمة في البحر الأحمر وجاءت خارج نطاق المنطق وسير الأحداث، قادوا هجمات طائشة وسياسات رعناء، أرادوا بها دغدغة العواطف.
ما يحدث اليوم في البحر هو نتاج لحسابات خاطئة تبناها البعض، عطل بها جهودنا لاستعادة الدولة، ومنع التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية الشقيقة من حسم الموقف لصالح الشرعية مرة، وقد شارفنا على صنعاء في نهم، وأخرى عندما كنا على بعد خطوات من ميناء الحديدة، تعود هذه الأخطاء بدورها لاستراتيجيات خاطئة يتعامل بها البعض مع الأوضاع في اليمن وفي المنطقة العربية بتفكير آني وأساليب تنتظر المراجعة.
اليوم يدفع العالم ثمن هذه الأخطاء الاستراتيجية والتكتيكية معًا. ويهرول نحو أزمات تحمل في أحشائها بذور أزمات أخرى، والسؤال الملح الآن إن كانت هذه الحرب البحرية التكتيكية ستعيد التوازن للمواقف أم إنها تكتيك خاطئ جديد سيزيد الأمور تعقيدًا في بلدنا.
تحقيق السلام في اليمن وفي فلسطين المنكوبة بالعدوان الإسرائيلي الغاشم وفي كل بؤر الصراع في الوطن العربي يحتاج إلى توجهات عالمية مختلفة لدى صناع السياسة العالمية، هناك اختلال في موازين العدالة وكيل واضح بمكيالين. لن يحتاج أقوياء العالم للقوة العسكرية لردع المتمردين على شعوبهم، والمتسببين في آلامها. عالم اليوم يحتاج للعدالة، وهذه عالميًا تعني التزامًا متجردًا من كل مصلحة، التزامًا بروح المواثيق الدولية والإنسانية التي تفتقدها المنطقة.