نحسبه شهيدًا ولا نزكي على الله أحدا
{ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون} {ولاتحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون. فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولاهم يحزنون...} فالشهادة حياة للشهداء وحياة وإحياء للأحياء _الأسر والمجتمعات والأمم.
فعبدالله شهيد من قرابة تسعة آلاف شهيد في تعز، ومن عشرات الآلاف من الشهداء في اليمن، استشهدوا في سبيل الله ثم الوطن والحرية والكرامة وإنهاء الانقلاب الحوثي السلالي العنصري المتخلف، ونحن على العهد مستمرون مهما كانت التضحيات.
وما يزيدنا إصرارًا على الاستمرار في ذلك كوننا ننظر إلى إخواننا في غزة وفلسطين إذ يقدمون عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى والمعتقلين، بل إبادة جماعية همجية نازية وهم صامدون مقاومون مجاهدون.
إن كان من وصف عبر للشهيد؛ فقد كان الشهيد هادئًا، ومرحًا، كثير الحياء، متدينًا، يحرص على الصلاة جماعة، وقيام الليل، وقد وقّت تلفونه بالسحر على صوت أحد القراء وهو يتلو قوله تعالى: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون...} وكان يصلي الضحى في الجامعة أثناء الفاصل بين المحاضرات، وكان يصوم الاثنين والخميس، ومرتبًا في حياته، رغم أنه كان يعمل مع الجيش الوطني ويرابط غالبًا ليلًا منذ عام ٢٠٢٠م بعد تخرجه من الثانوية، لكن هذا لم يمنعه من الدراسة في الجامعة في قسم هندسة تقنية المعلومات، إذ كان في الترم الثاني من السنة الثالثة. وكذلك كان مهتمًّا بحفظ القرآن -رغم انشغاله- على يد أحد مشائخ القرآن في جمعية معاذ، وقد حفظ حوالي سبعة أجزاء، وكان مهتما بالعلوم الشرعية يحضر حلقات العلوم الشرعية في مسجد دار القرآن وغيرها...
وكان جنديًّا مجهولًا لا يعلم عنه الكثير من أقاربه وجيرانه وأصدقائه أنه في الجبهة مع الجيش الوطني، فكان لا يلبس البدلة العسكرية إلا في الموقع وإذا خرج من عمله لبس لباسه المدني وكان يكره الممارسات الخارجة عن القانون من قبل بعض المنفلتين. وهو من النوع الوديع اللطيف، من يعرفه يقول هذا ليس جنديًّا، وليس هناك ما يوحي أنه قادر على الرباط في الجبهات، ولكنه كان -كما قال عنه أصحابه-: قدوة في سلوكه وأخلاقه وعمله ونصائحه لهم، وكان شجاعًا مقدامًا لا يتردد في أي مهمة بل المهمة التي استشهد فيها لم يكن مطلوبًا حضوره، لأنه كان مرابطًا طوال الليل ومع ذلك أقنع زميله ليذهب هو بعد أن طلب منهما قائد المهمة بخروج أحدهما، وقد قال عنه زميله الذي سهر معه أنه كان يردد ذكر الشهادة طوال الليل ويقول له أنا الأول سأنال الشهادة قبلك...، وقال بعض أصحابه هذا من أصحاب الآخرة.
كان حريصا على خدمة زملائه وأصدقائه والناس، حيث كان يجمع من مصاريفه وزملائه قيمة سلل غذائية للمحتاجين، وتكاليف زيارة مريض، وغيرها.
وكان يحترم الجميع ويحسن التعامل مع الجميع: (أقاربه، ومن في العمل والجامعة والحارة)، ولهذا كان لاستشهاده أثرا كبيرا لدى هؤلاء جميعا؛ لما يحملونه له من حب، فكان لفقده حزن واسع لديهم أجمعين.
كان لا يحب الظهور والأضواء حيث أن بعض زملائه وأصدقائه لم يعرفوا عنه أنه في الجيش. وكان يحب أن يكون عمله خالصًا لله ولذلك كان ينصح زملاءه بأن يكون لكل واحد منهم خبيئة عند الله لأي علمها أحد.
وكان لا يتناول القات رغم رباطه وسهره في الجبهة حيث ظل محافظًا على عدم تعاطيه.
وكان في حضوره، يقوم بأعمال الأسرة كاملة؛ حيث كان حريصًا على رضا والديه، وقد قال في رسالة له لوالده: أنا لا أريد من الدنيا سوى رضا الله ثم رضاك...، وكان أيضًا يسألني هل أنت راضٍ عني؟ ويطلب المسامحة إذا قصر، وأرفع صوته بغير قصد...
كان لا يملك إلا (موتور سيكل) يتواصل به إلى العمل والجامعة، وقد أوصى أن يكون وقفًا للجبهة .
وعبدالله كما كان يطلب الشهادة صادقًا كذلك كان يتطلع إلى التخرج من الجامعة مهندسًا، وإلى الزواج، وخدمة الوطن.
كانت آخر ليلة من ليالي الشهيد الصيام والفطور في مكان الرباط، ثم قيام الليل والرباط إلى الفجر، وقد تبادل الحديث عن الشهادة مع زميله وأنه سيكون هو الأول في الشهادة، ثم صلى الفجر وقرأ سورة الكهف، ثم تحرك مع زملائه بالمهمة وأثناء المهمة كان قبله اثنين وكذلك بعده؛ وإذا بالانفجار يحدث فتبتر رجلاه، فيسعف وأثناء إسعافه لم يرفع صوته مما أصابه لكنه ظل يردد لا إله إلا الله حتى آخر نفس.. فقد أختاره الله واصطفاه مع الشهداء (ويتخذ منكم شهداء....)
رحمه الله رحمة الأبرار وجعله مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا...
وهذه رسالة من رسائله لزملائه يقول فيها: ((أخي الحبيب لا تنس الدعاء وأن تسأل الله الثبات في هذه الدنيا التي كثر فيها الفساد، وأخيرًا اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
الدنيا لعب ولهو والآخرة دار القرار.
اللهم نسألك الثبات على الدين والجهاد اللهم اجعلنا من الشهداء الصادقين المخلصين)).
جعله الله ممن قال فيهم: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا...}.
إن والديك راضيان عنك فنم قرير العين.
إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا لفراقك ياعبدالله لمحزونين، وإنا على درب الشهداء لسائرين حتى النصر بإذن الله تعالى.
اللهم تقبل شهداء اليمن وغزة وفلسطين والمسلمين. واجعلهم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
وهناك الكثير من أمثال عبدالله في كل جبهات اليمن وعلى أيديهم سيتحقق النصر -بإذن الله تعالى- فهم ثابتون مجاهدون صابرون صادقون مرابطون وما بدلوا تبديلًا.