أول شيء يقابله الزائر للمدينة عدن أو غيرها من مدن بلدنا الحبيب، هو سائق تاكسي وثقافة هذا السائق، ومشاهد حركة السير للمركبات والبشر في الشارع العام، وتتشكل لديه صورة عن ثقافة المجتمع، وأول ما تطأ أقدامه أرضنا الحبيبة، يبدأ شغوف في اكتشاف سلوك الناس وثقافتهم، وفهم ديناميكية حركة المجتمع، يستطلع الشارع العام، والعلاقات والتعامل مع من يقابلهم، ما يلفت انتباهه حركة رجال الأمن والعسكر بسيارتهم وبدلاتهم العسكرية، وان أراد أن يعرف عن مستقبل هذا البلد عليه أن يتمعن جيدا بما يدور في المدارس والجامعات، وما يدور في أذهان من يقابلهم من إعلاميين ومثقفين ونخب سياسية واجتماعية، ويقرأ الصحف الصادرة.
إذا الزائر للمدينة عدن اليوم سيجد مدينة تغرق بالفوضى، ومجتمع يصرخ من وطأة هذه الفوضى، في انتهاكات تحدث داخل المدينة، يقابله معالجات خاطئة، لا تستند لتطبيق روح القانون، معالجات معظمها بالصلح والاعتذار وعفا الله عما سلف، ومجتمع متطلع لدولة النظام والقانون، يرى أمامه النظام والقانون لا قيمة له في معالجات قضايا الانتهاكات العامة والخاصة، ولا محاسبة قانونية.
مع احترامنا وتقديرنا لدور رجال الأمن في ضبط الأمن العام، ودور القضاء في تحقيق العدالة والإنصاف، ودور النيابة كحامي للحق العام، كيف لهم أن يفرطوا في هذا الحق، ويسمحون للصلح والاعتذار أن يتحول لثقافة بديله عن ثقافة روح القانون، أم أن هذا هو المستورد الجديد (للعدالة التصالحية)، التي روج لها وكنا أحد المتخوفين من أنها ستقتل فينا وفي المجتمع روح القانون، بعذر روتين ممل وطويل للمحاكم، وهو عذر أقبح من الذنب نفسه، لأننا باستطاعتنا معالجة هذا الروتين، ونعزز ثقافة روح القانون في مدينة ومدنية، قد تجاوزت مراحل الأعراف والتقاليد في حسم القضايا، لمصاف المدن الحضارية والمجتمعات المدنية.
أول مشاهدة سلبية للزائر لعدن سيجد شوارع دون إشارات مرورية ضوئية، لمدينة كانت أول ما عرفت الإشارات الضوئية في عام 1934م وعممت بشكل أوسع في عام 1954م، واليوم لا توجد بها إشارة ضوئية تعمل، بعضها تم قلعه والبعض الآخر مدمرو شاهدا على زمن اندثر وعلى نظام نفتقده اليوم، وعلى ثقافة تتعرض للتجريف.
ثم ما هي الصورة التي ستتشكل عن حادثة ضرب المعلم في حرم المدرسة، من قبل طلاب المدرسة، وتم الحل باعتذار مهين، عفا الله عما سلف، وأين الحق العام للمجتمع، في قضية أصبحت رأيا عاما، وماذا يعني رأي عام، يعني أن النائب العام يجب أن يبث بها دون طلب من المتضرر، فقد أصبحت قضية مجتمع وعليه أن يحفظ للمجتمع حقه، المجتمع يصرخ، والنيابة لا تسمع، والحل يفرض بشكل مهين على هذا المجتمع والتعليم والمدرسة والمعلم، تقدم البعض بعدد من المناشدات لتدخل السلطات، ولا حياة لمن تنادي.
وهناك رجل مرور يقف على الشارع يمثل الدولة، وينظم إيقاع حركة السير، مهمة وطنية شريفة، ويتعرض للدهس من قبل متهور عاكس خط، بهذا التصرف أهان الدولة وأهان المجتمع وأهان النيابة والأمن العام والسلطة، ولم تتحرك تلك الجهات التي لم تشعر بالإهانة، المجتمع ينتظر إنصافه، والنظام والقانون ينتظر من محاميه أن يتحرك، ليوقف هذا المتهور، ليحاسب ليكن عبرة لغيره من العابثين بالسكينة العامة والمستهترين بالأمن العام.
هذه مجرد أمثلة لا للحصر فالحصر لن يتسع لمقالي هذا، في مدينة بدأت تفقد جزءا مهما من إرثها وثقافتها كمدنية، حيث روح القانون هو روح المجتمع الضابط للعلاقات وإيقاع الحياة، صار الصلح هو السائد والعيب أنه يتناغم مع إرث القبيلة، حيث تذبح الأثوار في إهانة لمجتمع مدني قد تجاوز ذلك منذ عقود، وارتقى لمستوى المجتمعات المتقدمة، واليوم تعاد تلك العادات والأعراف بشكل فج ومهين للمدنية عدن.
*يمن مونيتور