كلما سلط الله الظالم على الظالم جزاء أفعاله الخبيثة المنكرة كما هو حال الحوثيين مع الضربات الأمريكية- البريطانية الأخيرة ينبري بعض السياسيين والمثقفين للتطاول على حكمة أرحم الراحمين بتذكيرنا بفضيلة السيادة الوطنية وتخوين غيرهم, وأن ما تمارسه عصابة الحوثي الإيرانية من إذلال وقهر وقمع وقتل, والاستبداد بقطع طرقات مأرب وتعز والبيضاء وغيرها ومنع صلة الرحم وقطع أرزاق الناس والتضييق عليهم وحصارهم في لقمة عيشهم وحياتهم وسرقتها من أفواه أطفالهم وجيوبهم.. والحروب العبثية الظالمة التي يخوضونها بالباطل أكثر من عشر سنوات سوداء كالحة ليست انتهاكات لسيادة الإنسان وكرامته وحريته نفسه التي قدمها النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- على قدسية الكعبة عند الله في حديث ( من آذى مسلماً بغير حق فكأنما هدم بيت الله) الذي اشتهر بمعنى: لأن تهدم الكعبة حجراً حجراً أهون عند الله من أن يراق دم امرئ مسلم).
وحديث (المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه).. ولزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم بغير حق).
والحوثي قد تجاوز حدود الله ورسوله بأضعاف ما يفعله كافر افتراضي بمسلم عبر التاريخ باسم الله والعقيدة والقرآن.
السيادة الوطنية هي لله تعالى في تكريم خلقه لا تسليم رقابهم لمن لا يرحمهم ولا يرعى فيهم عهداً أو أخوة أو ذمة قبل دفاع البعض عن المذعورين في جحورهم للمزايدة والنفاق أو لمطامع خاصة وتزلفات.
الوطن ليس مجرد جغرافيا ورقعة أرض خاوية ورمال وأحجار وجبال وبحار لا قيمة لها دون إعلاء قيمة وكرامة وشأن الإنسان وحريته وسعادته.
كلنا مع غزة وفلسطين ومع ناسها وضد التوحش وجرائم الصهيونية لأقصى ما يكون لكننا ضد استغلال الحدث لابتزاز اليمنيين بتحشيد المغرر بهم لحروب داخلية جديدة وحصار وتجويع لا ينتهي.
قال محمد علي الحوثي قبل فترة لتبرئة علاقتهم بالحرس الثوري الإيراني إنه يتلقى توجيهاته وتعليماته من يحيي السنوار.
وما لا يعلمه المجاهد الفلسطيني الكبير الذي ينتظر الحوثيين بفارغ الصبر لفك الحصار عن غزة إن زعيم جماعة الحوثيين مشغول مثل إسرائيل تماماً وأكثر منذ عشر سنوات بقطع طرقات مأرب وتعز والبيضاء والحديدة وحصار اليمن من الداخل أشنع من الصهاينة أنفسهم.
يعرف قادة وشيوخ الجماعات الحركية والتيارات الإسلامية مضمون الحديث النبوي الذي صححه الشيخ الألباني في السلسلة (( إن الله ليؤيدن (أو لينصرن) هذا الدين بالرجل الفاجر)) كما هو حال الحوثيين الذين أراد الله بموقفهم الشهير ذائع الصيت من حرب غزة كشف تناقضاتهم اللا أخلاقية وفضحهم بين الملأ عند العالم كله بمقارنة مزاعم نصرة المستضعفين في الخارج مع استمرار جرائمهم المخجلة التي يندى لها الجبين ضد أبناء الشعب اليمني الكريم في الداخل.
استدراج إيراني لأمريكا
كل ما قام به الحوثيون طوال أكثر من 5 أشهر باسم كذبة فك حصار غزة هو تثبيت أقدام الحرس الثوري الإيراني في اليمن ونجاح طهران في تصفية حساباتها مع أمريكا باستدراجها عبر أدواتها في حرب بالوكالة يخوضها الحوثيون.
وعندما تضرب البوارج الأمريكية وقواعدها الصاروخية أهداف وكلاء إيران في الحديدة وصنعاء, تعز, حجة, صعدة وغيرها حتى من مسافات آلاف الأميال وما وراء البحار لا يستنكر البعض الوجود العسكري الإيراني في اليمن على الأرض أكثر من عقد في غرف عمليات محصنة لإدارة معارك الحوثي مع اليمنيين, ومؤخراً استهداف السفن التجارية والبوارج الحربية للآخرين الآن بأسلحة إيران المتطورة وتخطيطها.
لكنهم يغمزون فقط تجاه أمريكا وبريطانيا الذين استدرجوهم وليس المتسببين الحقيقيين الذين جلبوا معهم الفارسي إلى اليمن.
سبق التغلغل الإيراني المباشر في اليمن حرب غزة بعشر سنوات, وأدار مستشارو الحرس الثوري وحزب الله اللبناني معركة الحديدة 2018م أولاً مباشرة من أنفاق تحت الأرض.
ولاحقاً أشرف المقبور حسن إيرلو شخصياً على كتائب الحسين المعروفة بـ (كتائب الموت) النافقة التي أبيدت كالنعاج بسواعد الجيش الوطني ورجال المقاومة في محاولة إسقاط مأرب الفاشلة 2021 -2022 م إلى أن لقي حتفه بعملية أمريكية في صنعاء نجا منها عبدالملك الحوثي الذي كان معه في أحد أنفاق صنعاء بأعجوبة كبيرة, واختفى بعدها قرابة 6 أشهر بين الحياة والموت.
من يتغافل عن خطر الوجود والنفوذ الإيراني أو تسطيحه وما يعانيه اليمنيون من كارثة الاستبداد والتسلط والفقر المدقع ونهب الثروة وملشنة البلد والتركيز فقط على ردود الفعل الأمريكية- البريطانية ضد الوكلاء الحوثيين فهو ينتقص من دلالة السيادة الوطنية بتجاهل التغلغل العنكبوتي الداخلي السابق والعميق لأدوات إيران والحرس الثوري الذي جاءت هجمات أمريكا المضادة نتيجة لاحقة له.
ينظر لبشاعة الدور الأمريكي الداعم لمذابح نتنياهو في غزة كموازي منطقي آخر لموقف خذلان الجوار العربي لفلسطين نفسه حين يكون الساكت عن الحق مثل الجاني الأصلي, وإدانة الدور الأمريكي في حرب غزة ليس مبرراً لقبول التوسع الإيراني في اليمن ومباركة المتواطئين معه.
نحن إزاء استعمار ثقافي وعسكري فارسي بأدوات محلية عميلة تنتمي إلى أصول اجتماعية مشتركة حجب التعاطف الشعبي مع مظلمة غزة وفلسطين عن البعض تقدير عواقبه الوخيمة على الإنسان والدين والعرض والوطن والحياة.
ولا يحق لمن استجلبوا مشروع أجدادهم الإيرانيين إلى اليمن لتصفية حساباتها مع أمريكا الإضرار بمصالح الشعب اليمني العليا والتحدث عن سيادة وطنية لم يحترموها قبل غيرهم, وتنبغي محاكمتهم كخونة.
فالحوثيون من خلال حجم التسليح النوعي والإعداد القتالي لمهمات خارج اليمن مجرد واجهة وغطاء لمشروع التوسع الإيراني الإستعماري الخبيث, ومعركتهم في باب المندب والبحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب فقط لتثبيت هيمنة طهران بعملائها وتصفية حساباتها مع الغرب وليس لنصرة مظلومية غزة وشعب فلسطين لذاتها.
تماماً كما هو حال أدواتها ومليشياتها الأخرى في الوطن العربي المهيأة في سوريا ولبنان والعراق منذ ثلاثة عقود للعب أدوار قذرة مشبوهة لصالح الفارسي الأجنبي.
ولعل الصواريخ والطائرات المسيرة التي زعموا إطلاقها إلى إسرائيل خدمت إيران وحدها ولم تنقذ طفلاً ولا امرأة في فلسطين, ولم تؤثر على موقف نتنياهو من مواصلة الجحيم بل فاقمت عناده وصلفه بمجازر أشنع من قبل.
ومن الطبيعي أن لا تصمت أمريكا وغيرها عن سفنها وبوارجها من هجمات الحوثيين الإنتقامية في باب المندب والبحر الأحمر وخليج عدن ردا على مقتل مستشاري الحرس الثوري الإيراني في سوريا وقيادات حزب الله في لبنان, لا دفاعاً أو نصرة لغزة وفلسطين.
سيادة الوطن بالمواطن
السيادة الوطنية تبدأ بكرامة المواطن اليمني وحريته المضطهدة وحقوقه المنهوبة وإرادته المسلوبة من قوى الهيمنة والبغي المحلية المتواطئة.
تبدأ السيادة الحقيقية بحرية وكرامة أمثال المناضل الجسور الأستاذ الشيخ زيد بن عبدالقوي (سلام الله عليه) رمز الدفاع والجهاد الوطني والإنساني الشرس عن حقوق ملايين العائلات والأطفال من ذوي المعلمين اليمنيين المنهوبة رواتبهم ومصدر عيشهم الوحيد لصالح مجهود حرب الدفاع عن إيران في اليمن.
أرادوا كسر إرادة الرجل الشامخة كالجبال الرواسي, وقبل ذلك تأديب قبيلته الحدا الزاخرة بأمثاله الصناديد كرموز وأيقونات للتحرر من الظلم والإضطهاد العنصري السلالي البغيض.
فلا تقنعني ببضعة مفرقعات صاروخية دعائية وأنت تأكل عيش الناس وتقمع حريتهم المشروعة في الزنازن والمحاكم, وأن الإستعمار الإيراني-الفارسي الذي انتفض شعبه في وجهه على الدوام وأحرق الأخضر واليابس للخلاص من جبروته هو خير وبركة لليمنيين.
ولا تقنعني بأن المشروع الحوثي العنصري الذي سلب اللقمة من أفواه أطفالنا ونسائنا ومنع تصدير النفط والغاز مصدر العيش, وشرد ملايين شبابنا ورجالنا في المنافي, وصادر منا سبل الحياة الكريمة, واستبدل العلم الحديث والمعرفة بالخرافة, وعدالة الدين بين البشر بالتمييز العنصري والإصطفاء السلالي وازدراء الآخر وتحقيره, وقطع الطريق وصلة الأرحام وقضاء الحوائج أنه مشروع عزة وكرامة, إلا لمدمني العبودية وقليلي الآدمية والكرامة والنخوة.
قبل أن تضرب صواريخ وطائرات الحوثي سفن أمريكا وبريطانيا هي مسلطة على رؤوس اليمنيين منذ سنوات وسوف تستمر, والتصفيق لها باسم (إفك الحصار عن غزة) سذاجة حتى لو أبيدت إسرائيل فعلاً من الخارطة, لا كما ضاعفت مقذوفاتهم في الواقع المذابح والجوع على الفلسطينيين.
لا تقنعني يا عبدالملك إن من يفعل كل هذه الجرائم الوخيمة بأبناء شعبه لديه ذرة من إنسانية أو دين سوي وضمير تجاه غزة وفلسطين إلا لضرورة النفاق والتظاهر ببطولات (الرجل الفاجر) للتغطية على جرائمكم الداخلية المدوية وخدمة سيدكم الفارسي اللئيم المحتمي من أمريكا باليمن لتدفع الثمن عن بلاده إيران.
سوف يرفع الصهيوني حصاره عن غزة وستبقى جريمة حصار غلمان إيران لأحرار وقبائل مأرب وتعز والبيضاء ومنعهم من العبور والسفر والعيش الكريم وصمة لا تمحوها سوى هبة رجل وقلب واحد لخلع أصنام صعدة.
وسوف نصحوا بالتأكيد لمعرفة أن احترام السيادة الوطنية والحفاظ عليها يبدأ بدفاع المواطن اليمني عن كرامته وحريته من استبداد التسلط العائلي العميل وتبعيته.
والسيادة الوطنية الحقة هي أن لا يتسلط علي ولا يحكمني عملاء إيران ومن خانوا بلدهم وشعبهم ويرهنون مصير البلاد والعباد لأقبح بشر في التاريخ القديم والحديث.