إذا اجتمع العلم مع الحلم فذلك سمن على عسل. وقد يكون القادة العظام من أصحاب الشهادات العليا وقد لا يكونون.
قال نيلسون مانديلا، في كتابه (الطريق الطويل إلى الحرية) إنه تبين له بأن القادة، ليس بالضرورة أن يكونوا خريجي جامعات!
وفي أوقات قد يؤتى بذوي الشهادات العالية ديكورا، لينفذوا ما يطلب منهم، ليس أكثر، دون مبادرة أو دور أو قيادة، كما قال الدكتور جلال أمين، في كتابه عصر الجماهير الغفيرة.
نيسلون مانديلا، جامعي ومحامي، مثله مثل ملهمه، المهاتما غاندي، ولكن مانديلا، في نضاله الطويل، ومحنته الاستثنائية المريرة، ونصره التاريخي في النهاية، واجه خيبات من رفاق كثيرين، بعضهم حملة شهادات عليا، وأتذكر من قراءة قديمة في مذكراته، إن أحد زملائه وأصدقائه، وهو طبيب، لم يمض مع مانديلا، إلى النهاية، على الرغم من قناعته بصحة التوجه، وقال الطبيب : أنا عندي مصالح!
كان أول رئيس أمريكي، وقائد حرب التحرير الأمريكية، جورج واشنطن، حاصل على الثانوية العامة، مقارنة بزملائه خريجي هارفارد وبرينستون وييل، وكان قد تقاعد بعد الحرب، لكنه حضر مؤتمر إقرار الدستور، بإلحاح من زملائه، خوفاً من فشل المؤتمر، وفشَل الاتحاد. وقاد المؤتمر، وقيل إنهم فصلوا فترة الرئاسة عليه ثقة به، وانتخب بالإجماع، وترأس أمريكا ثمنان سنوات وترك! وظل تركه للسلطة، بعد ثمان سنوات، نموذجا يحتذى لحوالي 150 عاماً، فلم يخالفه إلا روزفلت أثناء الحرب الثانية الذي انتخب أربع مرات، وتم بعد ذلك تعديل الدستور الأمريكي وضمنت الفترتان الرئاسيان في الدستور.
وكان الرئيس لينكولن، عصامياً، علم نفسه بنفسه ولم يدخل جامعة لفقر أسرته، وهو ابن حطاب، وهو الذي واجه مشروع الانفصال حتى النصر، وحتى الموت!
واشنطن ولنيكولن أعظم رئيسين في تاريخ أمريكا .. ومحمد علي مؤسس نهضة مصر كان أمياً تماماً! وعبدالعزيز آل سعود مؤسس المملكة العربية السعودية، لم يحز تعليما نظامياً!
لا أقلل من أهمية العلم، فهو أساس الحياة الصالحة للأفراد والأمم؛ والعلم مع الحلم والرجولة سمن على عسل! ومع أن العلم لا ينفع وحده، فلا يمكن لأمي جاهل أن يأتي بخير كثير.. وقد يُحرَم كثيرون من التعليم، لكنهم يتعلمون من التجارب وينشدون المعرفة والحكمة على الدوام.
ونعرف في التاريخ، قادة مثقفين عظام أفذاذ، مثل الزعيم الصيني ماو تسي تونغ الفيلسوف والشاعر الكبير مؤسس الصين الجديدة، الذي لم يكن يترك التعلم والقراءة، حتى وهو يحارب ويعيش في كهوف الصين أكثر من عشرة أعوام، ويكاد أن يكون متنبي الصين في الشعر، كما قال الدكتور محمد المنصوب الطبيب وصاحب كتاب الصين بعيون عربية.
وهناك وينستون تشرشل رئيس الوزراء البريطاني الشهير، الفائز بجائزة نوبل في الآداب، وميتران الرئيس الفرنسي والمثقف اليساري اللامع، الذي كان محباً لليمن والعرب.
قبل حوالي عشرين عاماً كنت أمشي على خط البيضاء مأرب، واسمع قصيدة القردعي النونية :
صاب الله الوقت ذي جاني وقال اذهـن
قم شل حمل الغلـط لافـوق الاعدانـي
ماعاد باشكي على حـد مالقينـا مـن
قد ضاع جملي في أصحابي وصدقانـي
وقد نسى ذاك ذي فـي حيدنـا اتكنـن
ماعاد باخص مـن كاسـي وميزانـي
قدهم على شور من صنعاء إلى لنـدن
متخابرة كلهـم سـيـد ونصـرانـي
وتْقسمـوا الأرض كـلا منهـم وثـن
فيْ اْرض اليمن كـدروا عاقـل وسلطانـي
من بعد ذا يامعنـى شـد لـك مرسـن
من حد بـن هرهـره والجـد همدانـي
سلطان يافع صليـب الـراس متحصن
في دار ذي في صفاتـه فكـر البانـي
والقصيدة موجهة إلى محمد جعبل سلطان العواذل المذحجية، وحملها إليه أخيه الشهيد أحمد ناصر القردعي، وذرفت عيناي دمعاً أو كادتا عند سماع تلك القصيدة في ذلك الزمان والمكان!
وقلت يومها : هذا المرادي المذحجي لم يكن مجرد شيخ قبلي عادي وبدوي بسيط، وإنما كان أكبر من ذلك وأفهم وأعظم.
كان يتحدث عن اليمن الكبير الواحد، في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي ويندد بالتقسيم والتجزئة وبالاستعمار والإمامة، ويقول :
قدهم على شور من صنعاء إلى لنـدن
متخابرة كلهـم سـيـد ونصـرانـي
وتْقسمـوا الأرض كـلا منهـم وثـن
فيْ اْرض اليمن كـدروا عاقـل وسلطانـي
أقارنه الان بحملة شهادات عليا، ومسؤولين كبار إسماً، ولكن صغار دوراً وقدراً وقيادة مسؤولية وطنية، وفي النهاية تاريخاً، لا يجرؤون اليوم على التحدث عن اليمن الواحد! لانهم لا يريدون إغضاب أصغر انفصالي ولا أدنى ممول للتجزئة والانفصال!
على أهمية العلم، فإن القادة العظام قد لا يحملون شهادات عليا! والرجالة قبل العلم!
وما أجمل أن يجتمعا معاً!
رحمك الله الشهيد علي ناصر القردعي
————————
الأعدان: الاكتاف
إذهن: إصحى
متخابرة: متفاهمين
اتكنن: احتمى من المطر
وثن: وضع علامات تقسيم