كان الأصل أن لا يشارك الإنتقالي في الحكومة والرئاسة إلا بالتخلي عن مشروعه الإنفصالي، لكن يبدو أن العكس هو الصحيح، إذ صار الشرط، الضمني على الأقل، أن لا تتكلم عن وحدة بلادك، إذا أردت أن تكون عضواً في الحكومة أو في مجلس الرئاسة، أو أي منصب آخر ذي أهمية! ويعد ذلك بمثابة حسن سيرة وسلوك!
كانت الدول العربية، وغير العربية، وقرارات وبيانات مجلس الأمن، وبيانات القمة العربية، لا تتحدث عن اليمن، إلا وتؤكد على التمسك بوحدة اليمن واستقلاله وسلامة أراضيه؛ وتتضمن قرارات مجلس الأمن، عبارة: ونشدد بقوة على وحدة اليمن واستقلاله وسلامة أراضيه!
ومنذ لاذ المعنيون عندنا بالصمت والتساهل، تجاه وحدة بلادنا، صمت الجميع تقريباً.
وكان تصريح رئيس ما يسمى “هيئة التشاور والمصالحة الداعمة لمجلس القيادة الرئاسي” في يونيو 2023, ملفتاً، حيث اعترض على "إشارة بعض سفراء الدول الراعية للعملية السياسية إلى دعم (الوحدة اليمنية)" وقال "إن ذلك لا يخدم تماسك ومتانة مجلس القيادة الرئاسي أبداً"!
ويبدو أن من يفترض فيهم حماية وحدة البلاد في مجلس القيادة، فهموا أن عليهم أن يصمتوا، فيما يخص وحدة البلاد، وقد يطلبون الصمت من الآخرين؛ دولا، أو جهات؛ ضمناً أو صراحة. وكان مفاجئاً انضمام عضوين من مجلس الرئاسة، البحسني والمحرمي، إلى المجلس الإنتقالي الانفصالي، حتى ليبدو أن الهدف من كل الترتيبات هو تعزيز وتقوية التوجه الإنفصالي، وأن دور مجلس الرئاسة، وطبيعة تشكليه وهيكله، يهدف إلى التجزئة والتقسيم.
وإذا كان من يمثلون جانب الانفصال يسعون بوضوح إلى هدفهم، ويبدون حماساً واضحاً منقطع النظير للتشطير، فإن أعضاء مجلس الرئاسة الآخرين، يلوذون بالصمت، في أحسن الأحوال!
بل إنهم اعتادوا في الرئاسة، إخفاء مواقف الدول المؤيدة لوحدة اليمن، مثل موقف مصر ورئيسها، ويحتجون على الإتحاد الأوروبي بسبب انتقاده للمجلس الإنتقالي الإنفصالي!
وكان ملفتاً أن بيان قمة جدة في مايو من العام الماضي، خلا من التأكيد على وحدة اليمن واستقلاله وسلامة أراضيه، وهو أول مؤتمر قمة يُعقَد بعد تعيين مجلس القيادة الرئاسي، وحضور رئيسه، وبالتأكيد دون محاولة من الجانب اليمني لتثبيت النص المعتاد المؤيد لوحدة اليمن واستقلاله وسلامة أراضيه، أو التحفظ أو الإعتراض على عدم وروده، وقد كان مثبتاً في مسودة البيان الوارد من الأمانة العامة للجامعة العربية، كالمعتاد، وحُذف في النهاية من نص البيان المعلن!
ترى من حذفه؟ وكيف؟ ولماذا؟ وهل أخبر وزير الخارجية بن مبارك حينها الرئيس العليمي بذلك؟ وماذا كان الموقف؟
وإعلان جدة في مايو 2023 هو بيان القمة العربية الوحيد منذ 2015، الذي خلا من التأكيد على الحفاظ على وحدة اليمن واستقلاله وسلامة أراضيه؛ على الرغم من ندائنا لهم في حينه بالتأكيد على ذلك، دعماً لليمن، بسبب انعقاد ما يسمى بالجمعية الوطنية التابعة للإنفصاليين، في المكلا، عشية انعقاد مؤتمر القمة العربية في جدة.
كان الدكتور رشاد العليمي يلفت النظر بحسن عرضه ووضوح بيانه عندما يأتي مجلس النواب وهو وزير داخلية، وبقدر ما كان مكتبه مفتوحاً كان صدره واسعاً أيضاً، وعلاقاته كثيرة، لكن هناك كثيرون يقولون الآن؛ هل خُدعنا بالعليمي؟!
سألت أحد زملائه في مجلس الرئاسة، ما موقف الرئيس العليمي مما يجري، وخاصة تجاه وحدة البلاد، وما مشروعه؛ وأجاب: ما عنده لا موقف ولا مشروع!
لقد كان الدكتور رشاد محل احترام كثيرين عندما كان في اليمن، وبقاء ذلك الإحترام رهين بموقفه الوطني التاريخي الحازم الصارم الدائم الصريح، من وحدة اليمن واستقلاله وسلامة أراضيه، وينطبق الأمر على مواقف كل من يعنيهم الأمر في كل المؤسسات الدستورية اليمنية، وكل الأحزاب والفصائل، وينطبق كذلك على كل الدول المعنية، فمن كان مع وحدة اليمن واستقلاله وسلامة أراضيه فهو صديق اليمن، ومن كان خلاف ذلك، فهو خصم اليمن المبين، أما إذا كان يمنياً فإنها الخيانة العظمى.
المواقف الحازمة تجاه وحدة الأوطان، وتجاه الحركات الإنفصالية هي ما يميز الدول المحترمة، والقادة المحترمين، في الصين والهند وإسبانيا والمغرب، مثلاً؛ ومن قبل في الولايات المتحدة، وغيرها؛
وبالتأكيد؛ في اليمن.
ويبقى الوهم والخداع والزيف: إن التغاضي والتساهل والسكوت عن المشروع الإنفصالي، سيهزم الحوثي؛ بينما العكس هو الصحيح!
وهل يحتاج المخدوعون أو المخادعون إلى تجربة أكثر من تسع سنوات؟!
ولا بد أنه بات واضحاً إن الإرادات والنوايا الشريرة تريد تحقيق ما يلي:
تمكين الحوثيين في الشمال وتمكين الانفصاليين في الجنوب! وترك اليمن في أتون التقسيم والتقزيم والجحيم!
وإذا أمكن التجزئة إلى أكثر من يمنَين فهو الأحسن في نظر المجزئين!
لكنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت!